بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل تتعلق بالصيام
حكم إفطار المريض في نهار رمضان وكيفية القضاء
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فيحتاج كثير من الناس لمعرفة حكم الصيام مع المرض، وكيفية القضاء إذا أفطر، ويمكن توضيح ذلك من خلال ما يأتي:
أقسام المرض من حيث حكم الصيام وجواز الفطر:
ينقسم المرض من حيث حكم الصيام وجواز الفطر إلى ثلاثة أقسام([1]):
القسم الأول: أن لا يَشقَّ على المريض الصوم ولا يضره، كالزكام اليسير، أو الصداع اليسير، أو وجع الضرس ونحوها، بل ربما بعض الأمراض يستفيد المريض فيها من الصوم، كبعض أمراض الجهاز الهضمي والضغط ونحوهما، فيجب عليه الصوم؛ ويحرم عليه الفطر؛ لعدم وجود العذر المبيح للفطر.
القسم الثاني: أن يشق على المريض الصوم ولا يضره، كمن يخشى من الصوم زيادة المرض، أو تأخر الشفاء، أو حصول مرض آخر، فيستحب له الفطر ويكره له الصوم؛ لقوله تعالى ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، ولأنه ترك لرخصة الله تعالى، وتعذيب لنفسه؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله يحب أن تُؤتَى رخصُه كما يحب أن تؤتى عزائمه ". رواه ابن حبان في صحيحه (رقم/354)، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (1/471)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/10).
وقال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع ص71:" واتفقوا على أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام أنه يجزِئه، واتفقوا على أن من آذاه المرض وضَعُف عن الصوم فله أن يفطر".
القسم الثالث: أن يضرَّ الصوم المريض، كمن يخشى من الصوم الهلاك، أو تفويت منفعة عضو، أو أذى شديدا، فيجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم؛ لقول الله تعالى:(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار ". رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني في ارواء الغليل (3/410).
أقسام المرضى المفطرين من حيث كيفية القضاء:
ينقسم المرضى المفطرون في رمضان من حيث كيفية القضاء إلى قسمين([2]):
القسم الأول: المريض الذي يرجى برؤ مرضه:
يجب على المريض بعد الشفاء أن يقضي الأيام التي أفطرها، ويستحب تعجيل القضاء، ولا يجوز تأخيره إلى حلول رمضان القادم بدون عذر؛ لقول الله عز وجل:( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة:185. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:" إن كانت إحدانا لتضطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان". رواه مسلم.
القسم الثاني: المريض العاجز عن الصوم ولا يعرف له علاج بحسب تقدير الأطباء، كمرض السرطان في المراحل المتأخرة، وبعض حالات مرضى السكري، فهو لا يستطيع الصوم، أو يستطيع مع مشقة كبيرة:
فهذا المريض لا يجب عليه الصوم ولا القضاء، ولكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم أفطر مسكينا؛ لقوله تعالى ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) البقرة: 184، فالله سبحانه جعل الإطعام معادلا للصيام حين كان التخيير بينهما أول ما فرض الصيام فتعين أن يكون بدلا عن الصيام عند العجز عنه لأنه معادل له. قال ابن عباس رضي الله عنهما:" الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان عن كل يوم مسكينا". رواه البخاري (4505).
كيفية إطعام العاجز عن الصوم ووقت إخراجه
الواجب إخراج كفارة العاجز عن الصوم للمسكين طعاما، ولا يجزئ إخراجها نقودا عند جمهور أهل العلم. ويخير في الإطعام بين أحد أمرين:
1- أن يفرق الطعام حبا (أي غير مطبوخ) على المساكين، لكل مسكين مد من الطعام كبر أو رز، أي ربع صاع نبوي([3]) ويعادل (750) غرام تقريبا؛ لما جاء عن أوس بن الصامت رضي الله عنه " أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أعطاهُ خمسةَ عشرَ صاعًا من شَعيرٍ إطعامَ ستِّينَ مسكينًا". رواه أبوداود وصححه الألباني. وإذا قسمنا الخمسة عشر صاعا على ستين مسكين يكون نصيب كل واحد منهم ربع صاع. ولما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" إذا عجزَ الشيخُ الكبيرُ عن الصيامِ أطعمَ عن كل يوم مُدًا مُدًا". رواه الدارقطني وصححه.
2- أن يصلح طعاما فيدعو إليه مساكين بقدر الأيام التي أفطرها؛ لما ورد عن أنس رضي الله عنه أنه أطعم بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر. أخرجه البخاري معلقا قبل حديث (4505).
وقت إخراج الإطعام:
يجوز إخراج فدية الطعام كل يوم بيومه خلال اليوم أو بعد انتهائه، ويجوز تأخير إخراجها عن جميع الشهر إلى آخر رمضان؛ لما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم عاما، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم". رواه الدارقطني، وصححه الألباني.
ولا يجوز تعجيل الإطعام قبل دخول رمضان، ولا إخراجها في أول شهر رمضان عن جميع الشهر، أو إخراج الإطعام عن يوم قبل طلوع فجره، في قول أكثر أهل العلم؛ لما في ذلك من تقديم الفدية على سبب وجوبها.([4]) ([5])
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن المسافر في نهار رمضان مخيَّرٌ بين الصيام والفطر سواءٌ طالتْ مدةُ سفره أمْ قصُرتْ، لعموم قوله تعالى:{وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. ولحديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال:" كُنَّا نُسَافر مع النبي - صلى الله عليه وسلّم - فَلَمْ يَعِب الصائمُ على المُفطِر ولا المفْطِرُ على الصائمِ". رواه البخاري (1947)، ومسلم (1116).
والأفضل للمسافر فعلُ الأسهلِ عليه من الصيام والفِطرِ، ويتضح ذلك من خلال الأحوال الأربعة الآتية:
الحال الأولى: أن يكون الصوم والفطر للمسافر سواء، فلا يجد مشقة زائدة في الصوم في السفر عن الحضر، فإن الأفضل الصوم ويجوز له الفطر لما يأتي:
1- عن حمزة بن عمرو الأسلميِّ رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله أجد بي قُوَّةً على الصيام في السفر، فهل عليَّ جُنَاحٌ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة منَ الله فمن أخذ بها فَحَسَنٌ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه". رواه مسلم.
2- عن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال:" خَرَجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلّم - في رمضانَ في حرٍّ شديدٍ، حتى إنْ كان أحَدُنا ليضع يَدَه على رأسِهِ من شدةِ الحرِّ، وما فينا صائمٌ إلاَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - وعبدُالله بنُ رواحة". رواه البخاري (1945)، ومسلم رقم (1122).
3- لأنَه أسْرعُ في إبراء ذمته، وأنشط له إذا صامَ معَ الناسِ.
الحال الثانية: أن يجد المسافر مشقة في الصوم، فإنَّ الأفضل له الفطر، ويكره له الصوم؛ لحديث جابرٍ رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان في سفرٍ، فرأى زحامًا ورجلاً قد ظُلِّلَ عليه، فقال:" ما هذا؟ " قالوا: صائمٌ، فقال:" ليس من البرِّ الصيامُ في السفر". رواه البخاري (1946) ومسلم (1115).
الحال الثالثة: أن يجد المسافر في الصوم مشقة شديدة أو ضررا، فيجب عليه الفطر ويحرم عليه الصوم؛ لحديث جابر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال:" أولئك العصاة أولئك العصاة". رواه مسلم (1114).
الحالة الرابعة: أن يحصل المسافر بالفطر زيادة عبادة أو مصلحة كأن يتقوى به على الجهاد، أو على أداء العمرة، فالأفضل له الفطر ويجوز له الصوم، لما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة – يعني في فتح مكة - ونحن صيام قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا، وكانت عزمة فأفطرنا، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر .رواه مسلم (1120).
الواجب إخراج كفارة العاجز عن الصوم للمسكين طعاما، ولا يجزئ إخراجها نقودا عند جمهور أهل العلم. ويخير في الإطعام بين أحد أمرين:
1- أن يفرق الطعام حبا (أي غير مطبوخ) على المساكين، لكل مسكين مد من الطعام كبر أو رز، أي ربع صاع نبوي([7]) ويعادل (750) غرام تقريبا؛ لما جاء عن أوس بن الصامت رضي الله عنه " أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أعطاهُ خمسةَ عشرَ صاعًا من شَعيرٍ إطعامَ ستِّينَ مسكينًا". رواه أبوداود وصححه الألباني. وإذا قسمنا الخمسة عشر صاعا على ستين مسكين يكون نصيب كل واحد منهم ربع صاع. ولما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" إذا عجزَ الشيخُ الكبيرُ عن الصيامِ أطعمَ عن كل يوم مُدًا مُدًا". رواه الدارقطني وصححه.
2- أن يصلح طعاما فيدعو إليه مساكين بقدر الأيام التي أفطرها؛ لما ورد عن أنس رضي الله عنه أنه أطعم بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر. أخرجه البخاري معلقا قبل حديث (4505).
وقت إخراج الإطعام:
يجوز إخراج فدية الطعام كل يوم بيومه خلال اليوم أو بعد انتهائه، ويجوز تأخير إخراجها عن جميع الشهر إلى آخر رمضان؛ لما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم عاما، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم". رواه الدارقطني، وصححه الألباني.
ولا يجوز تعجيل الإطعام قبل دخول رمضان، ولا إخراجها في أول شهر رمضان عن جميع الشهر، أو إخراج الإطعام عن يوم قبل طلوع فجره، في قول أكثر أهل العلم؛ لما في ذلك من تقديم الفدية على سبب وجوبها.([8]) ([9])
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: يتساءل بعض الناس عن حكم مباشرة الصائم للمرأة وأثره على الصوم، ويمكن تفصيل ذلك في المسائل الآتية:
أولًا: جماع – وهو إيلاج حشفة الذكر في الفرج - الصائم، وفيه خمس مسائل:
1- جماع الصائم ذكرا كان أم أنثى في نهار رمضان سواء أنزل المني أو لم ينزل يفسد الصوم ويوجب التوبة والقضاء والكفارة؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي، وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقُها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعامَ ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر - والعَرَق: المكتل - قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا، فتصدّق به، فقال الرجل: أعلى أفقرَ مِنِّي يا رسول الله ؟! فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرّتين - أهلَ بيت أفقر من أهل بيتي ! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك". أخرجه البخاري برقم (1936) ومسلم (1111).
والكفارة تكون على الترتيب، فلا ينتقل إلى صيام الشهرين المتتابعين إلا إذا عجز عن عتق الرقبة، ولا ينتقل إلى إطعام ستين مسكينًا إلا إذا عجز عن الصيام.
2- جماع الصائم ذكرا كان أم أنثى في صوم واجب غير رمضان كقضاء رمضان أو الكفارة أو النذر سواء أنزل أو لم ينزل يفسد الصوم ويوجب التوبة والقضاء، ولا يوجب الكفارة عند جمهور أهل العلم؛ لأن النص بوجوب الكفارة ورد فيمن جامع في نهار رمضان – لحرمة الشهر - لا في غيره.
3- جماع الصائم ذكرا كان أم أنثى في صوم تطوع يفسد الصوم، ولا يوجب التوبة ولا القضاء ولا الكفارة؛ لأن الصائم المتطوع أمير نفسه، له أن يكمل صومه، وله أن يفطر، إلا أن الإكمال أفضل؛ لحديث أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة، فقال:" الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر". رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4).
4- جماع الصائم ذكرا كان أو أنثى في رمضان أو صوم واجب غيره أو صوم تطوع إذا كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها، لا يفسد الصوم، ولا يوجب التوبة ولا القضاء ولا الكفارة؛ لما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه". رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.
5- جماع الصائم ذكرا كان أو أنثى في رمضان أو صوم واجب غيره إذا كان ممن يجوز له الفطر بعذر شرعي كمريض أو مسافر يفسد الصوم، ويوجب القضاء، ولا يوجب التوبة ولا الكفارة؛ لقوله تعالى (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر).
ثانيًا: إنزال المني بدون جماع باختياره بتقبيل أو ملامسة أو استمناء أو تكرار نظر أو استمراره أو نحوها، يفسد الصوم، وإن كان الصيام واجبا كرمضان أو قضاء أو كفارة أو نذر فتجب التوبة والقضاء، ولا تجب الكفارة؛ لأن هذا من الشهوة التي أمر الله الصائم باجتنابها كما في الحديث القدسي قال الله تعالى:" يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي". رواه البخاري.
أما التقبيل واللمس ونحوهما بدون إنزال المني فلا يفسد الصوم؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه". رواه البخاري ومسلم. لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه إذا قبل أو لامس أو نحوهما أن ينزل المني أو يتدرج بذلك إلى الجماع؛ فإن التقبيل والملامسة ونحوهما حرام؛ سدا للذريعة وصونا لصيامه من الفساد.
ثالثًا: نزول المني بغير اختياره كالاحتلام أو التفكير بالجماع ومقدماته لا يفسد الصيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم". رواه البخاري ومسلم، ولأن الاحتلام خرج بدون قصده.
رابعًا: خروج المذي من الصائم لا يفسد صومه؛ لأن الأصل صحة الصوم حتى يثبت دليل على فساده.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: يتساءل بعض الناس عن أثر خروج الدم من الصائم أو إدخاله فيه على الصوم، ويمكن تفصيل ذلك في خمس مسائل كما يأتي:
الأولى: حقن الدم في الصائم المريض يفسد الصوم؛ لأن الدم هو غاية الطعام والشراب. ومثله تعمد بلع الدم من سن أو جرح ونحوهما.
الثانية: خروج دم الحيض والنفاس مفسد للصيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:( أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ). رواه البخاري (304)، ولإجماع العلماء على ذلك.
الثالثة: الصحيح من أقوال أهل العلم أن الحجامة تكره للصائم، ولكنها لا تفسد الصوم، وهو قول جمهور العلماء؛ للجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك، ومنها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما:" أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". أخرجه البخاري ( 1938). وحديث شداد بن أوس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع، وهو يحتجم وهو آخذ بيدي لثماني عشرة خلت من رمضان، فقال:" أفطر الحاجم والمحجوم". أخرجه أحمد وأبو داود، وقال ابن حجر في بلوغ المرام: صححه أحمد وابن خزيمة. وكذلك الفصد والشرط لا يفسدان الصوم لعدم الدليل على ذلك، وقياسا على الحجامة.
الرابعة: الصحيح من أقوال أهل العلم أن سحب الدم من الصائم سواء كان للتحليل أو التبرع لا يفسد الصوم، ولو كان الدم المسحوب كثيرا، قياسا على الحجامة.
الخامسة: خروج الدم من الإنسان بغير قصد سواء من جرح في بدنه أو سن أو رعاف أو باسور أو استحاضة ونحوها إذا لم يتعمد بلع الدم لا يفسد الصوم سواء كان الدم كثيرا أم قليلا؛ لأنه خرج بغير اختياره، ولأن الأصل صحة الصيام حتى يأتي دليل على فساده، ولا دليل.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فيحتاج بعض الصائمين المرضى لاستعمال الإبرة (الحقنة)، ويتسائل كثير منهم عن مدى تأثيرها على الصيام، والذي عليه أغلب العلماء المعاصرين أن الإبر تنقسم إلى قسمين:
الأول: الإبر المغذية التي يُستغنى بها عن الطعام والشراب، كإبرة الجلوكوز ونحوها، فإنها تفطر الصائم؛ لأنها بمنزلة الأكل والشرب، ولذلك الجسم يبقى متغذيا على هذه الإبر، وإن كان لا يتغذى بغيرها، والشريعة لا تفرق بين متماثلين، بل تجعل للشيء حكم نظيره.
الثاني: الإبر غير المغذية التي لا يُستغنى بها عن الطعام والشراب، فلا تفطر الصائم سواء تناولها عن طريق الجلد أو العضل أو الوريد لأنها ليست أكلا ولا شربا ولا بمعناهما، ولأن الأصل صحة الصيام حتى يثبت ما يفسده.
ومن أمثلة الإبر غير المغذية: الإبر العلاجية كالبنسلين لخفض الحرارة، والأنسولين لتنظيم السكر، أو إبر تنشيط الجسم وتقويته، أو إبر التطعيم، أو إبر التخدير، أو إبر الاختبار ( التي تبين وجود حساسية فيه من دواء معين؟).
ولا شك أن الحقن والمحاليل كلها علاج، لكن الحقن منها المغذي الذي يقوم مقام الأكل والشرب، ومنها غير المغذي، أما المحاليل التي تعطى عن طريق الوريد –سكرية أو ملحية- فإنها مغذية، ويحصل بها الفطر، بخلاف محلول غسل المثانة فإنه لا يفطر كما سيأتي.
محلول الملح الذي يُعطى لبعض المرضى عن طريق الوريد مفسد للصيام، لأنه داخل في ضمن المواد المغذية، (ففيه أملاح وسوائل) تدخل الجوف وينتفع بها الجسم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فيحتاج بعض الصائمين المرضى لاستعمال القطرات سواء كانت للأنف أو العين أو الأذن، ويمكن معرفة مدى تأثيرها على الصيام في ما يأتي:
أولا: قطرة الأنف([13]):
الصحيح من أقوال أهل العلم أن استعمال قطرة الأنف يفطر الصائم إذا وصل ماء القطرة إلى المعدة، وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين؛ لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أسبِغِ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالِغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا". أخرجه الأربعة، وصححه الألباني في إرواء الغليل (935).
فدل هذا الحديث على أنه لا يجوز للصائم أن يدخل الماء إلى المعدة عن طريق الأنف، إذ إن الأنف منفذ إلى المعدة عن طريق الحلق.
وعلى هذا فيجتنب الصائم استعمال هذه القطرة، إلا إن تضرر بترك استعمالها، فيستعملها ويحتاط في عدم وصول ماء القطرة إلى المعدة، فإن وصل شيء منها إلى المعدة لزمه قضاء هذا اليوم.
ثانيا: قطرة العين([14]):
الصحيح من أقوال أهل العلم أن استعمال قطرة العين لا يفطر الصائم، وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين؛ لأن الأصل عدم التفطير وسلامة العبادة حتى يثبت ما يفسدها، ولأن كمية القطرة التي توضع في العين يسيرة، ثم إنها تمتص جميعها أثناء مرورها في القناة الدمعية، ولا تصل إلى البلعوم فضلا عن وصولها إلى المعدة، وأما الطعم الذي يشعر به في الفم فلأنها تنتقل من القناة الدمعية إلى مناطق التذوق في اللسان.
ثالثا: قطرة الأذن([15]):
الصحيح من أقوال أهل العلم أن استعمال قطرة الأذن لا يفطر الصائم، وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين؛ لأن الأصل عدم التفطير وسلامة العبادة حتى يثبت ما يفسدها، ولأن الأذن ليست منفذا للمعدة إلا إذا خرقت طبلة الأذن.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يحتاج الصائمون المصابون بمرض الربو إلى استعمال ما يخفف عنهم من الوسائل والعلاجات المساعدة على توسيع الشعب الهوائية، وهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما لا يفطر الصائم، وهي ما تحقق فيه شرطان:
أ- ألا يكون أكلا ولا شربًا.
ب- ألا يكون ممَّا يصل إلى المعدة.
ومن العلاجات التي يتوفر فيها هذان الشرطان نوعان:
1- بخاخ الربو، وهو عبارة عن علبة تحتوي على غاز مضغوط، يصل إلى الرئتين، لتوسيع الشعب الهوائية، فهذا ليس أكلا ولا شربا، ولا يصل إلى المعدة.
2- استعمال الأوكسيجين فقط، لا يفطر لأنه ليس أكلا وإنما هو مجرد هواء.
القسم الثاني: ما يفطر الصائم، وهو ما كان من جنس الأكل أو الشرب ويصل إلى المعدة. ويعرف منه نوعان:
1- جهاز الكمام الذي يقوم بتحويل المحلول الدوائي إلى بخار ورذاذ، ويضخه بسرعة فيستنشقه المريض، فهذا يفطر؛ لأن البخار والرذاذ يصل إلى المعدة.
2- كبسولات تحتوي على بودرة جافة، توضع في جهاز، ثم يشفطها المريض بفمه من خلاله، فهذه البودرة تصل إلى المعدة عن طريق الريق، فيفطر.
([1]) انظر: بدائع الصنائع (2/151)، المحيط البرهاني (2/359)، البحر الرائق (2/492)، الفتاوى الهندية (1/227)، المنتقى (3/62، 78)، الاستذكار (3/338)، حاشية الخرشي (3/55)، حاشية الدسوقي (2/170)، المجموع (6/261)، روضة الطالبين (1/217)، مغني المحتاج (2/169)، المغني (4/404)، الإنصاف (7/367)، مجالس شهر رمضان ص (33)، الشرح الممتع (6/328، 341)، النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي بالصيام ص (91-102).
([2]) انظر: بجالس شهر رمضان ص (29)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([3]) هذا ما اختاره الشيخ العثيمين، واختار الشيخ ابن باز نصف صاع لكل مسكين (كيلو ونصف تقريبا). انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، بجالس شهر رمضان ص (29)، الشرح الممتع (6/338-340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([4]) هذا ما اختاره الشيخ العثيمين، واختار الشيخ ابن باز جواز إخراجه في أول الشهر أو وسطه أو آخره. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، بجالس شهر رمضان ص (29)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([5]) واختار الشيخ العثيمين أن يكون عدد المساكين على عدد الأيام فلا يجزئ أن يعطي المسكين الواحد من الطعام أكثر من فدية يوم واحد؛ للقراءة المشهورة السبعية في قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) بالجمع، واختار الشيخ ابن باز جواز دفع إطعام جميع الأيام لمسكين واحد أو أكثر. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، الشرح الممتع (6/340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([6]) انظر: مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/30، 135).
([7]) هذا ما اختاره الشيخ العثيمين، واختار الشيخ ابن باز نصف صاع لكل مسكين (كيلو ونصف تقريبا). انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، بجالس شهر رمضان ص (29)، الشرح الممتع (6/338-340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([8]) هذا ما اختاره الشيخ العثيمين، واختار الشيخ ابن باز جواز إخراجه في أول الشهر أو وسطه أو آخره. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، بجالس شهر رمضان ص (29)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([9]) واختار الشيخ العثيمين أن يكون عدد المساكين على عدد الأيام فلا يجزئ أن يعطي المسكين الواحد من الطعام أكثر من فدية يوم واحد؛ للقراءة المشهورة السبعية في قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) بالجمع، واختار الشيخ ابن باز جواز دفع إطعام جميع الأيام لمسكين واحد أو أكثر. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، الشرح الممتع (6/340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([10]) انظر: المجموع للنووي (6/383)، المغني (4/378، 412)، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/305-310)، مجالس رمضان ص (64-65).
([11]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/271-274)، فتاوى اللجنة الدائمة (10/261-268)، مجالس رمضان ص (66-67)، مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/239-256).
([12]) انظر: فتاوى محمد بن إبراهيم (4/189)، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/257-258)، فتاوى نور على الدرب (16/222-225)، مجالس رمضان ص (66)، مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/213-221)، فتاوى اللجنة الدائمة (10/ 251-253)، قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 93 (1/10)، مفطرات الصيام المعاصرة للدكتور أحمد الخليل ص (65-68).
([13]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/260، 261)، مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/205، 206)، قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 93 (1/10)، مفطرات الصيام المعاصرة للدكتور أحمد الخليل ص (47-49).
([14]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/260-261)، مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/205، 206، 209)، الشرح الممتع (6/382)، قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 93 (1/10)، مفطرات الصيام المعاصرة للدكتور أحمد الخليل ص (60-61).
([15]) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (6/315)، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/260-261، 263)، مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/205، 206، 209)، قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 93 (1/10)، مفطرات الصيام المعاصرة للدكتور أحمد الخليل ص (56-58).
([16]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/265)، فتاوى إسلامية (1/130)، مجموع فتاوى محمد العثيمين (19/209-213)، قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 93 (1/10)، مفطرات الصيام المعاصرة للدكتور أحمد الخليل ص (33-38).