بسم الله الرحمن الرحيم
صفات صلاة الوتر بثلاث ركعات وأحكامها
إذا أوترَ المصلي بثلاث ركعات فله ثلاث صفات:
الصفة الأولى: أنْ يُصلي رَكعتين ثم يسلم، ثم يُوتِرَ بواحدة؛ وهذه الصفة مستحبة، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة([1])؛ لما يأتي:
١- حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يَفْصِلُ بين الشّفع والوتر بتسليمٍ يُسْمِعُنَاهُ». أخرجه أحمد وابن حبان، وقواه الحافظ ابن حجر وصححه الألباني.
٢- أثر ابن عمر رضي الله عنهما أنه «كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته». رواه البخاري.
الصفة الثانية: أنْ يصلي الوتر بثلاث ركعات متصلة بِتَشهدٍ واحدٍ، فهذه الصفة ذهب الشافعية والحنابلة إلى استحبابها([2])، واختاره ابن تيمية وابن حجر والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين؛ لما يأتي:
1- حديث أبي أيوب رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الوتر حقٌّ على كلّ مسلمٍ، فمن أحبّ أن يوتر بخمسٍ فليفعل، ومن أحبّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعل، ومن أحبّ أن يوتر بواحدةٍ فليفعل». أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم والنووي والألباني.
2- عن أبيّ بن كعبٍ، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " يقرأ في الوتر في الرّكعة الأولى بسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الرّكعة الثّانية بقل يا أيّها الكافرون، وفي الرّكعة الثّالثة بقل هو الله أحدٌ، ولا يسلّم إلّا في آخرهنّ، ويقول بعد التّسليم: «سبحان الملك القدّوس» رواه النسائي، وصححه الألباني([3]).
فدل الحديثان على سنية الإيتار بثلاث ركعات.
ولا يُعترض عليهما بحديث: «لَا تُوتِرُوا بثلاثٍ تشبّهوا بصلاة المغرب». رواه ابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي، وقال ابن حجر: إسناده على شرط الشيخين، وصححه الألباني.
إذ هذا محمول على ما كان بثلاث ركعات متصلة بتشهدين؛ كهيئة المغرب. قال الأمير الصنعاني: "وقد جمع بينهما([4]) بأنّ النهي عن الثلاث إذا كان يقعد للتشهد الأوسط؛ لأنّه يشبه المغرب، وأمّا إذا لم يقعد إلّا في آخرها فلا يشبه المغرب، وهو جمعٌ حسنٌ، وقد أيّده حديث عائشة عند أحمد، والنسائي، والبيهقي، والحاكم: «كان -صلى الله عليه وسلم- يوتر بثلاثٍ لا يجلس إلّا في آخرهن»، ولفظ أحمد: «كان يوتر بثلاثٍ لا يفصل بينهنّ»، ولفظ الحاكم([5]): «لا يقعد»"([6]).
فهاتان الصفتان وردت بهما السّنة، فإذا فعل هذه تارة، وهذه أخرى فحسنٌ.
الصفة الثالثة: أن يصلي الوتر بثلاث ركعات متصلة بتشهدين كهيئة المغرب([7])، فهذه الصفة ذهب المالكية والحنابلة والشافعية -في وجه- إلى كراهيتها([8])، واختاره الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين والشيخ محمد ناصر الألباني؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا توتروا بثلاثٍ تشبّهوا بصلاة المغرب». فهذا نهي، وأقل أحواله الكراهة.
تنبيه:
إذا كان إمام المسجد يصلي الوتر بثلاث ركعات متصلة بتشهدين كهيئة المغرب، وهي الصفة التي جاء النهي عنها، فإنه يجوز للمأموم متابعته في ذلك، ولا يسوغ ترك الصلاة خلفه؛ لما يأتي:
١- أن هذه الصفة أجازها بعض العلماء، فالمسألة خلافية.
٢- أن ترك الصلاة خلفه يسبب الفرقة بين أهل المسجد([9]).
([1]) وذهب الحنفية إلى عدم مشروعيتها.
([2]) وذهب المالكية إلى كراهيتها.
([3]) ويؤيده فعل الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، ومن ذلك: ما روي عن ثابت عن أنس رضي الله عنه "أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن"، وعن ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: "الْوِتْرُ مِثْلُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُجْلَسُ إِلَّا فِي الثَّالِثَةِ ". وعن عطاء أنه "كان يوتر بثلاث ركعات لا يجلس فيهن ولا يتشهد إلا في أخراهن". وعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ". انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ت الشثري (4/ 497)، مصنف عبدالرزاق (3/ 309)، المستدرك للحاكم (1/447)، السنن الكبرى للبيهقي (5/430).
([4]) أي: جمع بينهما الحافظ ابن حجر، انظر: فتح الباري (2/281).
([5]) لفظ الحاكم: «كان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لا يُسَلِّمُ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ من الوَتْرِ». قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". وأقرَّه الذَّهَبِيُّ.
([7]) ولكن يقرأ في الثّالثة سورةً بعد الفاتحة، خلافًا للمغرب.