بسم الله الرحمن الرحيم
حكم إفطار المريض في نهار رمضان وكيفية القضاء
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فيحتاج كثير من الناس لمعرفة حكم الصيام مع المرض، وكيفية القضاء إذا أفطر، ويمكن توضيح ذلك من خلال ما يأتي:
أقسام المرض من حيث حكم الصيام وجواز الفطر:
ينقسم المرض من حيث حكم الصيام وجواز الفطر إلى ثلاثة أقسام([1]):
القسم الأول: أن لا يَشقَّ على المريض الصوم ولا يضره، كالزكام اليسير، أو الصداع اليسير، أو وجع الضرس ونحوها، بل ربما بعض الأمراض يستفيد المريض فيها من الصوم، كبعض أمراض الجهاز الهضمي والضغط ونحوهما، فيجب عليه الصوم؛ ويحرم عليه الفطر؛ لعدم وجود العذر المبيح للفطر.
القسم الثاني: أن يشق على المريض الصوم ولا يضره، كمن يخشى من الصوم زيادة المرض، أو تأخر الشفاء، أو حصول مرض آخر، فيستحب له الفطر ويكره له الصوم؛ لقوله تعالى ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، ولأنه ترك لرخصة الله تعالى، وتعذيب لنفسه؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله يحب أن تُؤتَى رخصُه كما يحب أن تؤتى عزائمه ". رواه ابن حبان في صحيحه (رقم/354)، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (1/471)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/10).
وقال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع ص71:" واتفقوا على أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام أنه يجزِئه، واتفقوا على أن من آذاه المرض وضَعُف عن الصوم فله أن يفطر".
القسم الثالث: أن يضرَّ الصوم المريض، كمن يخشى من الصوم الهلاك، أو تفويت منفعة عضو، أو أذى شديدا، فيجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم؛ لقول الله تعالى:(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ضرر ولا ضرار ". رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني في ارواء الغليل (3/410).
أقسام المرضى المفطرين من حيث كيفية القضاء:
ينقسم المرضى المفطرون في رمضان من حيث كيفية القضاء إلى قسمين([2]):
القسم الأول: المريض الذي يرجى برؤ مرضه:
يجب على المريض بعد الشفاء أن يقضي الأيام التي أفطرها، ويستحب تعجيل القضاء، ولا يجوز تأخيره إلى حلول رمضان القادم بدون عذر؛ لقول الله عز وجل:( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة:185. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:" إن كانت إحدانا لتضطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان". رواه مسلم.
القسم الثاني: المريض العاجز عن الصوم ولا يعرف له علاج بحسب تقدير الأطباء، كمرض السرطان في المراحل المتأخرة، وبعض حالات مرضى السكري، فهو لا يستطيع الصوم، أو يستطيع مع مشقة كبيرة:
فهذا المريض لا يجب عليه الصوم ولا القضاء، ولكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم أفطر مسكينا؛ لقوله تعالى ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) البقرة: 184، فالله سبحانه جعل الإطعام معادلا للصيام حين كان التخيير بينهما أول ما فرض الصيام فتعين أن يكون بدلا عن الصيام عند العجز عنه لأنه معادل له. قال ابن عباس رضي الله عنهما:" الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان عن كل يوم مسكينا". رواه البخاري (4505).
كيفية إطعام العاجز عن الصوم ووقت إخراجه
الواجب إخراج كفارة العاجز عن الصوم للمسكين طعاما، ولا يجزئ إخراجها نقودا عند جمهور أهل العلم. ويخير في الإطعام بين أحد أمرين:
1- أن يفرق الطعام حبا (أي غير مطبوخ) على المساكين، لكل مسكين مد من الطعام كبر أو رز، أي ربع صاع نبوي([3]) ويعادل (750) غرام تقريبا؛ لما جاء عن أوس بن الصامت رضي الله عنه " أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أعطاهُ خمسةَ عشرَ صاعًا من شَعيرٍ إطعامَ ستِّينَ مسكينًا". رواه أبوداود وصححه الألباني. وإذا قسمنا الخمسة عشر صاعا على ستين مسكين يكون نصيب كل واحد منهم ربع صاع. ولما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" إذا عجزَ الشيخُ الكبيرُ عن الصيامِ أطعمَ عن كل يوم مُدًا مُدًا". رواه الدارقطني وصححه.
2- أن يصلح طعاما فيدعو إليه مساكين بقدر الأيام التي أفطرها؛ لما ورد عن أنس رضي الله عنه أنه أطعم بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر. أخرجه البخاري معلقا قبل حديث (4505).
وقت إخراج الإطعام:
يجوز إخراج فدية الطعام كل يوم بيومه خلال اليوم أو بعد انتهائه، ويجوز تأخير إخراجها عن جميع الشهر إلى آخر رمضان؛ لما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم عاما، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم". رواه الدارقطني، وصححه الألباني.
ولا يجوز تعجيل الإطعام قبل دخول رمضان، ولا إخراجها في أول شهر رمضان عن جميع الشهر، أو إخراج الإطعام عن يوم قبل طلوع فجره، في قول أكثر أهل العلم؛ لما في ذلك من تقديم الفدية على سبب وجوبها.([4]) ([5])
([1]) انظر: بدائع الصنائع (2/151)، المحيط البرهاني (2/359)، البحر الرائق (2/492)، الفتاوى الهندية (1/227)، المنتقى (3/62، 78)، الاستذكار (3/338)، حاشية الخرشي (3/55)، حاشية الدسوقي (2/170)، المجموع (6/261)، روضة الطالبين (1/217)، مغني المحتاج (2/169)، المغني (4/404)، الإنصاف (7/367)، مجالس شهر رمضان ص (33)، الشرح الممتع (6/328، 341)، النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي بالصيام ص (91-102).
([2]) انظر: بجالس شهر رمضان ص (29)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([3]) هذا ما اختاره الشيخ العثيمين، واختار الشيخ ابن باز نصف صاع لكل مسكين (كيلو ونصف تقريبا). انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، بجالس شهر رمضان ص (29)، الشرح الممتع (6/338-340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([4]) هذا ما اختاره الشيخ العثيمين، واختار الشيخ ابن باز جواز إخراجه في أول الشهر أو وسطه أو آخره. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، بجالس شهر رمضان ص (29)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).
([5]) واختار الشيخ العثيمين أن يكون عدد المساكين على عدد الأيام فلا يجزئ أن يعطي المسكين الواحد من الطعام أكثر من فدية يوم واحد؛ للقراءة المشهورة السبعية في قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) بالجمع، واختار الشيخ ابن باز جواز دفع إطعام جميع الأيام لمسكين واحد أو أكثر. انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/203-204)، الشرح الممتع (6/340)، الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص (122-125).