بسم الله الرحمن الرحيم
تحقيق القول في مشروعية التطوع بصوم السبت
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن يوم عرفة من أفضل أيام السنة وأعظمها وأرفعها مقاما وأعلاها منزلة، فيه يباهي الله بعباده المؤمنين ملائكته، وأكثر ما يعتق فيه من النار، ندب الشارع فيه إلى الإكثار من الطاعات، والتقرب إلى الله بجميع ما يمكن من أنواع القربات، ووعد العباد فيه بأوفر الأجور وأجزل العطيات.
ومن أجل ما أمر به وندب إليه في يوم عرفة: الوقوف به لمن قصد حج البيت، بل جعله ركنا لا يتم الحج إلا به.
وأما غير الحاج فمن أعظم ما يتعبد به في يوم عرفة الصيام؛ لما أخرجه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعدـ)).
فحري بمن أنعم الله عليه فأمدَّ له في الصحة والعمر حتى أدرك هذا اليوم أن يغتنم هذه الفضيلة ويشمر لحيازة هذه الأجور الجليلة.
وقد يشكل على بعض الناس أن يوافق عرفة يوم السبت هل يصومه أو لا؟؛ لما ورد في حديث عبد الله بن بسر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"([1]).
فهل النهي هنا يحمل على عمومه، أو لا؟ لبيان ذلك نقول:
لا يخلو صيام يوم السبت من أحد خمس حالات:
الحالة الأولى: أن يكون ضمن فريضة رمضان فهذا يصام إجماعًا لأنَّه مستثنى في حديث النهي.
الحالة الثانية: أن يقرنه بصوم يوم قبله أو يوم بعده، فهذا أيضا صحيح جائز لدلالة حديث النهي عن إفراد الجمعة بصوم على جواز صوم السبت مع الجمعة، ولحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس؟»، قالت: لا، قال: «تريدين أن تصومي غدا؟» قالت: لا، قال: «فأفطري»([2]). فدل الحديثان على جواز التطوع بصوم يوم السبت مع الجمعة.
الحالة الثالثة: أن يوافق السبت يوم صومه إن كان يصوم صيام داود أي: صيام يوم وإفطار يوم، فصحيح جائز لدلالة النص الصريح عليه.
الحالة الرابعة: أن يفرد يوم السبت بصيام تطوع فهذا هو الذي ورد به النهي.
الحالة الخامسة: أن يوافق يوم السبت بعض الأيام المشروعة للصيام كيوم عرفة ويوم عاشوراء والأيام البيض والست من شوال ونحو ذلك، وهذا محل الخلاف والإشكال؛ لتوارد الأمر والنهي فيه على محل واحد، إذ النهي فيه عموم، والأيام المشروعة تقتضي يوم السبت؛ ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى ترجيح حديث النهي فنهى عن صوم يوم السبت مطلقا إلا الفرض، بينما ذهب جمهور أهل العلم في القديم والحديث إلى تخصيص هذا العموم، أي: صحة صوم يوم السبت تطوعا ولو مفردا إذا اتفق مع أسباب شرعيَّة، وهذا هو الحق والصواب لما يلي:
فعلى المسلم ألا يفوت على نفسه صيام يوم عرفة لما فيه من الأجر العظيم الذي ندب الشارع إلى طلبه وتحصيله؛ فالحقُّ بإذن الله فيما ذهب إليه جماهير أهل العلم في القديم والحديث، بل هو الذي تعضده صرائح الأدلة ويزول به الإشكال، والحمد لله رب العالمين.
أ.د. حمد بن محمد الهاجري
أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة الكويت
03/ذي الحجة/1440 الموافق 4/8/2019.
([1]) أخرجه أبو داود في سننه، باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم حديث (2421)، والترمذي في سننه باب ما جاء في كراهية صيام يوم السبت (3/111)، وابن ماجه باب ما جاء في صيام يوم السبت حديث (2/619). وغيرهم.
وقد اختلف أهل العلم في الحكم على الحديث من حيث الصحة والضعف، والذي يظهر –والله أعلم- صحته كما ذهب إليه الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (4/118).
([2]) أخرجه البخاري، باب صوم يوم الجمعة حديث (1986) (3/42).
([3]) متفق عليه، صحيح البخاري، باب صوم يوم الجمعة حديث (1985)، (3/42)، وصحيح مسلم باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردا، حديث (1144)، (2/801).