القول النصيح في بيان جواز الفصل بين القيام والتراويح

صورة لمشاركة المدونة القول النصيح في بيان جواز الفصل بين القيام والتراويح

بسم الله الرحمن الرحيم

القول النصيح في بيان جواز الفصل بين القيام والتراويح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن قيام الليل من أعظم القربات وأجل العبادات، ويتأكد هذا الأمر في شهر رمضان، فكما أوجب الشارع صيام نهاره، ندب إلى قيام ليله وأكَّد الطلب عليه ورتب على ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل فقال صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، فأي فضيلة بعد غفران سالف الذنوب، ومحو سابق الحوب.

ولم يخص الشارع وقتا من الليل للقيام دون وقت، بل أطلق ذلك ووسع، فلا يختلف آخره عن أوله من حيث الجواز، وإن اختص آخره بمزيد فضل وبركة، وهذا أمر لا خلاف فيه.

ومن ثمَّ فيعجب المرء من بعض الدعاوي المستعجلة، والأحكام غير المتبينة التي تنكر الفصل بين صلاة أول الليل -المتعارف عليه بالتراويح- وآخره المسمى عند الناس بالتهجد أو القيام، وزعم أن ذلك بدعة محدثة وليس من السنة ولا من فعل السلف، كيف خفِيَ عن صاحب هذه المقالة أدلة الجواز وهي لائحة، والعمل الجاري به معلوم غير مكتوم، بل إن هذا مما يُدرك بأوائل النظر ومبادي الفهوم، وإذ قد استشرت هذه الدعاوي حتى لبَّست على بعض الخاصة بله العامة صار لزاما إبطال دعوى المنكِر وإرشاد المستنصح إلى أدلة المشروعيَّة وأوجه الجواز.

وأفضل طريقة وأهدى سبيل إلى إبطال هذه المقالة يكون باستقراء الشبه التي استندت إليه، والحجج التي عولت عليه، ثم تفنيدها وبيان ما يؤيد خلافها وهي بالاستقراء ثلاث شبه:

الشبهة الأولى: إطلاق اسم التراويح على صلاة أول الليل، وتسمية صلاة آخر الليل بالتهجد أو القيام

الشبهة الثانية: دعوى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل في رمضان بين صلاة أول الليل وآخره.

الشبهة الثالثة: تخصيص الناس في زماننا العشر الأواخر بقيام آخر الليل دون غيرها.

أما الشبهة الأولى فالرد عليها من وجهين:

الأول: أنَّ التراويح والتهجد ليسا من الأسماء الشرعية التي يقصد بها معنى مخصوص، أما التراويح: فلم يرد في النصوص الشرعية وإنما هو استعمال الناس واصطلاحهم، وأما التهجد: فإنما ورد في القرآن مراد به معناه اللغوي؛ فإذا لم تكن هذه الأسماء شرعية لم يرتب على مجرد الاصطلاح حكم شرعي.

الثاني: أن هذه الأسماء إنما أطلقت لظروف معينة.

أما التراويح: فإنما أطلق على صلاة أول الليل لأنَّهم كانوا يصلون أول الليل فيطيلون القيام ثم يستريحون بين الأشفاع؛ فسموها بصلاة التراويح لهذا المعنى، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات في الليل، ثم يتروح...([1])". فإذا علِم ذلك تبين أنَّ هذه التسمية لغويَّة ولا علاقة لها بوقت الصلاة، بل كلما روَّح المصلِّي عن نفسه ساغت له التسمية وإن كان في آخر الليل.

وأما التهجد والقيام: فلأنَّ الغالب من صلاته صلى الله عليه وسلم في غير رمضان يكون من قيام بعد نوم فاصطلح ذلك على صلاة آخر الليل.

أما الشبهة الثانية: وهي دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين صلاة أول الليل وآخره فالرد عليها من وجهين:

الأول: أنا نسلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم الفصل بين صلاة آخر الليل وأوله بنوم ونحوه، بل كان الغالب من فعله في غير رمضان، التهجد والقيام بعد النوم، لكن دعوى أنَّه لم يفصل قطُّ باطلة ليس عليها دليل، بل الدليل خلاف ذلك يؤيده حديث ابن عباس، أنه بات عند خالته ميمونة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد العشاء الآخرة فصلى أربعا، ثم نام، ثم قام فقال: "أنام الغلام؟" - أو كلمة نحوها -قال: فقام يصلي، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه، ثم صلى خمسا، ثم نام حتى سمعت غطيطه -أو خطيطه -ثم خرج فصلى([2]).

فتأمل هذا الحديث كيف فصل صلى الله عليه وسلم بين صلاتيه بنوم، وهذا صريح في الجواز والسنية.

الثاني: أنا لو سلمنا أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يفصل، فلا نسلِّم أنه غير مشروع لما يأتي:

1- ما سبق بيانه من اتفاقهم على جواز قيام جميع أوقات الليل، ولا يدعي أحد خلاف ذلك، فما كان كذلك كيف يدَّعى أنَّه بدعة.

2- فعل الأصحاب، فقد ثبت أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يقومون أول الليل وآخره، يشهد لذلك ما رواه عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون؛ يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله([3]).

فدل هذا الأثر أنَّهم كانوا يقومون أول الليل، وعمر رضي الله عنه يدعوهم إلى قيام آخره، وهذا دليل تجويزهم للأمرين.

 

أما الجواب على الشبهة الثالثة: وهي تخصيص العشر الأواخر بقيام آخر الليل فمن وجهين:

الأول: أن هذا التخصيص لم تصاحبه دعوى عدم جواز ذلك فيما سوى العشر، فهذا لا يقول به أحد.

الثاني: أنَّ هذا إنَّما هو لفضيلة العشر الأواخر واستحباب المزيد من الاجتهاد فيها، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيره([4]).

وعليه فإن الحق الذي لا مرية فيه أن الأمر واسع وكله سنة، فمن استطاع أن يقوم في العشر الأواخر ليله كلَّه فوصل آخره بأوله فقد حاز السبق، ومن قام آخره دون أوله أو العكس أو فصل بين الوقتين بنوم واستراحة أو قضاء حاجة فقد أصاب سنَّة وأجره على قدر عمله.

وهذا الذي قررناه في هذه المسألة هو ما قررته اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية([5])، وبه أفتى أهل العلم كالشيخ عبدالعزيز ابن باز والشيخ محمد العثيمين رحمهما الله([6])، فلا ينبغي للإنسان التلبيس على الناس والتشكيك في أعمالهم، بل عليه أن يتثبت ويرجع إلى الكتاب والسنة وإلى أقوال الثقات من أهل العلم فإن في ذلك النجاة والسلامة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

                                                                       جمعها / حمد بن محمد الهاجري

 

 

تنبيه أهل الصيام على أخطاء متعلقة بصلاة القيام

الحمد لله الكريم المنَّان، هيأ لعباده أسباب الطاعة والقربان، وفرض عليهم الصيَّام فجعله من أخصِّ أبواب الغفران، وشرع القيام فجعله من أوثق دلائل الإيمان، له الحمد على العطاء والامتنان، والصلاة والسلام على من سبقت له الحسنى فلم تقعده عن الشكران، فتابع الصلاة بالصيام والإيمان بالإحسان، فصام النهار وقام الليل حتى تورمت منه القدمان، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تتابع الملوان، وسلَّم تسليما كثيرا.

أما بعد: فإنَّ من أعظم العبادات، وأجل القربات، إتباع صيام نهار رمضان بقيام ليله، وموالاة سعي النهار بسعي الليل، ونظرًا لحرص كثير من المسلمين على اغتنام فضائل رمضان، وارتشاف نسائم شهر الإحسان، مع جهل بما يخلُّ بمقصود هذه العبادات، ويناقض ما شرعت له من رب الأرض والسماوات، استعنت بالله في التنبيه على جملة من الأخطاء والمخالفات التي يقع فيها القائمون في ليالي رمضان، وسميته: تنبيه أهل الصيام على أخطاء متعلقة بصلاة القيام، والله أسأل أن يتقبل مني هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه نافعًا لخلقه.

فأقول مستعينا بالله: إن من الأخطاء والمخالفات التي يقع فيها القائمون في رمضان ما يلي:

1- المداومة على القيام منفردا في البيت وترك شهودها في جماعة المسلمين؛ لأن أداءها جماعة في رمضان خاصة سنَّة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة قالت: فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا طويلا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم..."الحديث. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.

قال أهل العلم: هذا الحديث فيه دلالة ظاهرة على مشروعيَّة قيام الليل جماعة وأنه سنة نبويَّة، وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره خشية أن تفرض على أمته صلاة الليل كما في آخر الحديث.

2- عدم إكمال القيام خلف الإمام حتى ينتهي؛ لأنه بفعله هذا حرم نفسه ثواب قيام ليلة كاملة؛ لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة". أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.

3- مواصلة الإمام قراءته للقرآن في الصلوات المفروضة حتى يتمكن من ختم القرآن. وكذلك مواصلته للقراءة خارج الصلاة، لعدم وجود الدليل عليها.

4- حمل المأموم المصحف في صلاة الليل دون حاجة لذلك، كالفتح على الإمام؛ لأنه بذلك يضيع سننا كثيرة.

5- زعم طلب الخشوع بإطفاء أنوار المسجد أو التقليل منها.

6- المداومة على إلقاء المواعظ أثناء صلاة التراويح، دون الحاجة إلى ذلك كالتنبيه على أمر مهم. ولا بأس بأن تكون الموعظة بعد الانتهاء من القيام.

7- رفع الصوت بالبكاء والتكلف في ذلك، إذ إنَّه مدخل من مداخل الرياء، كما أنه قد يشوش على المصلين.

8- تفويت الجماعة الأولى لصلاة العشاء، لكي يدرك صلاة التراويح في مسجد آخر.

9- الاهتمام بالتراويح ونوافل القيام، مع التفريط في أداء الفرائض في الجماعة.

10- استعجال التراويح وإقامتها في المساجد قبل إعلان دخول الشهر؛ لأن سنية الجماعة في صلاة القيام خاصة برمضان.

11- تتبع المساجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ليصل الرجل في المسجد الذي يليه، ولا يتبع المساجد". أخرجه الطبراني في الأوسط، وجَّود إسناده الألباني.

12- تصوير وبثُّ صلاة القيام، فتظهر صلاة الإمام ودعاؤه وبكاؤه وكثرة الناس خلفه، وهذا فيه من المفاسد: إشغال المصلين، وفتح لباب الرياء والشهرة.

13-استخدام مكبرات الصوت المشتملة على صدى في الصلاة، فهي تتسبَّبُ في زيادة حرف أو أكثر في القرآن، وهذا محرم.

14- تعمد بعض المأمومين عدم الدخول في الصلاة حتى يركع الإمام، وهذا فيه تفريط في إدراك القيام وقراءة الفاتحة وغيرها من القرآن، وحرمان من خير عظيم.

15- استئجار القراء للقراءة في صلاة القيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه". أخرجه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وصححه الألباني.

16- تكلُّف تقليد بعض الأئمة لمشاهير القراء؛ ففيه تنطُّعٌ وإلهاءٌ للمصلين بمجرد الصوت.

17- الدخول في صلاة التراويح بعد صلاة العشاء مباشرة، مع ترك سنة العشاء.

18- عدم الالتزام بألفاظ دعاء القنوت الواردة في السنَّة وإضافة بعض الألفاظ عليها دون سندٍ كقول بعضهم: (واصرف عنا برحمتك) بعد قوله: (وَقنا)، وقول: (بالحق) بعد قوله: تقضي، ونحو ذلك من الإضافات غير الثابتة في قنوته صلى الله عليه وسلم الوارد في السنن الصحيحة.

19- رفع البصر إلى السماء أثناء الدعاء.

20- المبالغة في رفع اليدين في الدعاء، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفعله إلا في الاستسقاء.

21- السجع المتكلف في الدعاء.

22- رفع الصوت بالدعاء والتأمين، وتلحينه والتغني به وتشبيهه بالقرآن.

23- إطالة دعاء القنوت.

24- الاعتداء في ألفاظ الدعاء ومعانيه، كالتفصيل في الطلب، أو استعمال عبارات موهمة، أو الدعاء على عموم الكفار بالهلاك.

25- قول بعض المأمومين في التأمين على الدعاء: حقا، صدقا، نشهد. وهذا قد يكون مبطلا للصلاة، لأنه ليس من ألفاظ الصلاة.

26- أداء صــــلاة الــــوتـر علـــــى هيئة المغــــرب بتشهدين وتسليم واحــــــد، فهـــــذا منهـــي عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب" رواه ابن حبان وأبو حاتم والطحاوي، قال أهل العلم: المراد بالتشبه بالمغرب أن يجعله بتشهدين، وأما أداؤها على هيئة المغرب بتشهد وتسليم واحد فقد وردت به السنة؛ لحديث أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل" أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

         والحمد لله رب العالمين

                                                                جمعها/ حمد بن محمد الهاجري

 

([1]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (4294)، قال البيهقي: تفرد به المغيرة بن زياد، وليس بالقوي.

([2]) أخرجه أحمد بهذا اللفظ برقم (3169)، وهو عند البخاري في صحيحه برقم (859) بلفظ قريب لا يغير المعنى.

([3]) أخرجه البخاري برقم (2010).

([4]) أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها برقم (1175).

([5]) ينظر فتاوى اللجنة الدائمة –المجموعة الثانية (6/82).

([6]) ينظر: مجموع فتاوى ابن باز (11/338)، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (14/190).



visibility 1707 مشاهدة
visibility 1707 مشاهدة

هل كان المقال مفيد؟

logintoaddcomment

ملخص أحكام طهارة المريض وصلاته
15 فبراير 2024
من أراد الطهارة وكان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء إن قدر على ذلك، فإن كان الغسل بالماء يضره؛ غَسل سائر الأعضاء السليمة ومسح محل الجرح مسحاً؛
ملخص أحكام صلاة الاستسقاء
15 فبراير 2024
الاستسقاء: استفعال؛ من السقيا. وصلاة الاستسقاء: هي الصلاة لأجل الدعاء بطلب السقيا، على صفة مخصوصة.
فضل الصلاة وخطر التهاون بها
15 فبراير 2024
الصلاة أهم أَركان الإسلام بعد الشهادتين، أمر الله -تعالى- بالمحافظة عَليها في كلِّ حال حضرا وسفرا، سِلما وحربا، صِحة ومرضا، وهي من آخر وصايا رسول اللهِ ﷺ لأمته