وقفات مع فيروس كورونا

صورة لمشاركة المدونة وقفات مع فيروس كورونا

بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات مع فيروس كورونا

 

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فلا تكاد تخلو مجالس الناس في هذه الأيام من الحديث عن فيروس كورونا ذلك المرض الخطير الذي بدأت شرارته في دولة الصين الشعبية، ثم أخذت تنتشر في العديد من دول العالم، وحديث الناس عن هذا المرض ما بين ناصح أمين يذكر الحقائق الثابتة حول هذا المرض، ويرشد الناس لتوقي ما قد يكون سببا في الإصابة بهذا المرض، وآخر مولع بالإشاعات والأراجيف ينشر أخبارا كاذبة حول هذا المرض، وثالث يخلط الهزل بالجد، ويتخذه مجالا للضحك والسخرية والغفلة، والواجب على كل مسلم دوما أن يتقي الله عز وجل، وأن يلجأ إليه في السراء والضراء، وأن يستلهم العظة والعبرة، وأن يتكلم بعلم ونصح مبني على أصول شرعية  وأسس علمية.

وهذه وقفات تسلط الضوء على ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في مثل هذه الظروف المخيفة التي تقع في حياة الناس:

الوقفة الأولى: أن للأمراض والأوبئة التي تنتشر أسبابا صحية وأسبابا شرعية، فالأسباب الصحية: كفيروسات تنتشر بين الناس، أو أطعمة معينة قد يكون فيها نوع من التسمم ونحو ذلك، والأسباب الشرعية كتأديب العصاة، وإهلاك الجبابرة الطغاة، ورفع قدر أهل الطاعة والصلاح، فالوباء قد يكون عقوبة على انتشار المعاصي وفشوها، ليرتدع الباغي عن بغيه، ويفيق الغاوي من غيه، وينال العاصي جزاء عصيانه، كما قال تعالى   {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} [الشورى الآية 30] وقال صلى الله عليه وسلم: " م تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا".رواه ابن ماجه برقم(4019)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1/ 468). وعن ابن عباس م قال: "ما ظهر البغي في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان" أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 322). وقد يكون الوباء ابتلاءً من الله لعباده المؤمنين؛ ليمحصهم وليزيد في درجاتهم: قال صلى الله عليه وسلم "ما يزال البلاءُ بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة" رواه أحمد في المسند برقم(1481)، وصححه أحمد شاكر.

الوقفة الثانية: أن الإنسان ضعيف أمام قدرة الله عز وجل، فالإنسان الذي ظن أنه ملك الدنيا، وأنه قادر على أن يفعل ما يشاء ضعيف جدا أمام قوة الله سبحانه وتعالى {وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ}  [المدثر الآية 31]  ففيروس كورونا هذا لا يرى بالعين المجردة، يتحرك بالخلايا والدم، فيؤثر في الإنسان وربما يؤدي إلى الوفاة، سبحان الله العظيم، فالإنسان مهما بلغ من قوة، وتقدم أجهزة، وتقنيات وخبرة في الطب والصناعة، فهو ضعيف أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن لا يغتر بقوته، ولا بما مكنه الله سبحانه وتعالى من الإمكانات، والله سبحانه وتعالى يظهر بعض الآيات الكونية ليرجع العباد إلى الله، قال تعالى: {وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا} [الإسراء الآية 59]، وقال تعالى: {فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} [الأنعام الآية 43].

الوقفة الثالثة: لا شك أن الإنسان يعتريه الخوف من فيروس كورونا ونحوه من الأوبئة، وهذا خوف طبيعي لا يلام عليه الإنسان، ولكن يجب أن لا يزيد عن الحد المعتاد، وألا يستقر في القلب، وأن لا يؤدي إلى ترك واجب أو فعل محرم، بل يُذهبه العبد ويَدفعه عن قلبه بالتوكل على الله واللجـــوء إليه سبحــــانــه، قال تعالى: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} [آل عمران الآية 173]  وقال سبحانه: {قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} [التوبة الآية 51]  ولا يرجو المسلم عافيته وشفاءه وسلامتَه إلَّا من ربِّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولا تزيدُه الأحداثُ وحلول المصاب إلا التجاءً واعتصامًا بالله، {وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} [آل عمران الآية 101].

الوقفة الرابعة: أن الأطبّاء لم يتوصلوا حتى الآن إلى علاج هذا المرض، ولا شك أن له علاجًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله" رواه الحاكم في المستدرك برقم (8205) وقال: صحيح، ووفقه الذهبي.

الوقفة الخامسة: العدوى ببعض الأمراض والأوبئة ثابتة ولها تأثيرها، لكنها سبب لا تعدي بذاتها، بل تعدي بأمر الله تعالى وقدره، ولذا قد يخالط السليم المريض فلا يصيبه المرض، وقد يحتاط السليم ولا يختلط بالمرضى فيصاب بالمرض.

لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي قد تؤدي إلى الأمراض؛ وعلى من أصيب بهذا المرض عدم مخالطة الأشخاص الأصحاء قدر الإمكان، وهو مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم "لا يورد ممرض على مصح" رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: " فر من المجذوم كما تفر من الأسد " رواه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه" متفق عليه.

فيحرص المسلم قدر الإمكان على الاحتياط لنفسه عن الإصابة بهذا المرض، والوقاية منه، وأن يبتعد عن مواطن الزحام التي يخشى أن يوجد فيها من أصيب بهذا المرض، ولا يستخدم أدوات المصاب بهذا المرض، وليغسل يديه بالماء والصابون أو المطهرات عند ملامسته أشياء يخشى أن يكون قد لامسها مصاب بهذا المرض، وأن يلبس الكمامات، وأن يأخذ اللقاحات اللازمة، وغيرها من الأسباب النافعة.

الوقفة السادسة: أن يحرص المسلم على العمل بالتحصينات الشرعية والأذكار الواردة في ذلك، فيحصن نفسه بالعقيدة الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة، وبأداء الواجبات الشرعية واجتناب المحرمات، والتوبة مما سلف من الذنوب، وأن يحرص على أداء الصلوات الخمس في الجماعة والأذكار بعدها، وأن يواظب على أذكار الدخول والخروج من البيت، ودعاء نزول المنزل، وأذكار الصباح والمساء، والنوم، وغيرها من الأذكار الشرعية والأدعية المأثورة.  فحفظ الله يتحقق بحفظ طاعته، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وصيّته لابن عباس ـ رضي الله عنهماـ:" احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك" رواه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني في المشكاة (5302).

ومما ورد في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل سبعَ تمْرات عجوة ما بين لابَتي المدينةِ على الرِّيقِ، لم يضرّه في ذلك شيءٌ حتى يُمسيَ". قال فليح: وأظنه قال: "وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح". رواه بهذا اللفظ أحمد، وأصله في الصحيحين.

الوقفة السابعة: أن يعلم من أصيب بهذا المرض أن ذلك قدر قد كتبه الله عليه، فيصبر ويحتسب ويتعالج، قال النبي ه لابن عباس م: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك". رواه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني في المشكاة (5302). وأن ذلك المرض لن يكون إلاَّ رفعة له عند الله، وفي هـذا يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له". رواه مسلم برقم (2999).

الوقفة الثامنة: أن يحذر المسلم كل الحذر من التسرع في نشر الأخبار، وإشاعة الإشاعات، ونقل الرسائل التي تصله قبل التثبت منها، فكثير من تلك الرسائل والأخبار كذب محض لا أصل له، وفي نفس الوقت تبث الرعب في قلوب الناس، وتصيب المجتمع بالإرجاف. والعاقل اللبيب لا يتكلم في شيء إلا إذا تثبَّت من صحته؛ فإذا ثبت لديه ذلك نظر في جدوى نشره؛ فإن كان في نشره حفز للخير، واجتماعٌ عليه نشره، وإن كان خلاف ذلك أعرض عنه وطواه، ولقد جاء النهي الصريح عن أن يحدث المرء بكل ما سمع، قال - صلى الله عليه وسلم:" كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع". رواه مسلم.



visibility 1035 مشاهدة
visibility 1035 مشاهدة

هل كان المقال مفيد؟

logintoaddcomment

ملخص أحكام طهارة المريض وصلاته
15 فبراير 2024
من أراد الطهارة وكان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء إن قدر على ذلك، فإن كان الغسل بالماء يضره؛ غَسل سائر الأعضاء السليمة ومسح محل الجرح مسحاً؛
ملخص أحكام صلاة الاستسقاء
15 فبراير 2024
الاستسقاء: استفعال؛ من السقيا. وصلاة الاستسقاء: هي الصلاة لأجل الدعاء بطلب السقيا، على صفة مخصوصة.
فضل الصلاة وخطر التهاون بها
15 فبراير 2024
الصلاة أهم أَركان الإسلام بعد الشهادتين، أمر الله -تعالى- بالمحافظة عَليها في كلِّ حال حضرا وسفرا، سِلما وحربا، صِحة ومرضا، وهي من آخر وصايا رسول اللهِ ﷺ لأمته