مسائل مهمة في الزكاة

صورة لمشاركة المدونة مسائل مهمة في الزكاة

بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل مهمة في الزكاة

أولا:القول المختصر في حكم زكاة المال المدخر

الحمد لله الذي آوى إلى الجنّات مَن ادخر عنده الحسنات، وثوى في النار مَن تراكمت عليه السيِّئات، والصلاة والسلام على خير الرسل وأزكى البريَّات، أمَّا بعد:

فإنَّ مِن اقتضاء الضرورات المتوقعة، ودواعي الحاجات المرتقَبة، اقتصاد المال وادِّخاره، وتنميته وإكثاره، حتى يبلغ المرء بقليله كثيره، وبخسيسه نفيسه، فكم مِن حاجة لا يتأتى الحصول عليها إلا بالجمع والتوفير، والاقتصاد في الإنفاق وعدم التبذير.

وإنَّ مِن الحاجات التي يَكثر الادخار لها ما حث عليه الشارع، ودعا إليه؛ كالحج، والزواج، ونحو ذلك ممَّا تجتمع فيه مصالح الدين والدنيا.

ومِن هنا فإنَّ الشارع لم يحرِّم كنز المال وادخاره مُطلَقًا، بل أباح ذلك وأَحَلَّه بضوابط تأتلف بها مقاصد الشريعة وتتّفِق، وتدفع أسباب الخلل عنها وتمنع، ومِن أهم هذه الضوابط وآكدها: أنْ يؤدي المالك مِن ماله المدَّخر فريضة الزكاة، فلا يحبسه عن الزكاة؛ طمعًا في الاستكثار، واستعجالا به إلى ثمار الادخار.

فالمال إذا توفرت فيه شروط الزكاة؛ كبلوغ النّصاب، وحولان الحول؛ وجبت فيه الزكاة، حتى وإنْ كان مدخرًا لحاجة؛ كشراء بيت، أو لزواج، أو غيرها، ولا يختلف في هذا مال عن مال، فجميع الأموال -مِن الذهب والفضة والأوراق النقديَّة- في هذا سواء، وهذا ما تضافرت عليه الأدلَّة، ومن ذلك:

1- عمومات أدلَّة وجوب الزكاة، حيث لم تستثني المال المدخر لحاجة، ولم تجعل مثل هذه المقاصد مُسقطًا للزكاة.

2- قول الله -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[التوبة:34]. وهذا نص في الموضوع.

3- أنَّ الزكاة لا تزيد المال إلا نموًّا وبركة، كما قال الله -سبحانه-: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾[التوبة:103].  قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» رواه مسلم (2588).

ومِمَّنْ أفتى بهذا: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-([1])، وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-([2])، وصدر به قرارات هيئات الفتوى الشرعية([3])، والمجامع الفقهيَّة؛ كما في قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم 143 (1/16) في دورته 16 بدبي 1426هـ، ونصّه: "تجب الزكاة في مبالغ الحسابات الجارية، ولا أثر لكون الأموال مرصدة لحاجة مالكها".

وعليه فليؤد المسلم زكاة ماله؛ وإنْ كان مُدَّخرًا لحاجة، وليُجَنِّب ماله أسباب الهلاك، وليَحْذَر موجِبات الغضب والعذاب.

اللهم أوزعنا شكر نعمك، وجنِّبنا موجبات نقمك، واقض لنا الحاجات، واغفر لنا الزلّات، وارفعنا عندك درجات، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

زكاة الأوراق النقدية

الأوراق النقدية: هي العملات المتداولة اليوم كَقِيَم للشراء، وأثمان للسلع، تصدرها الدول بناء على ضمانات معينة، كالدينار، والريال، والدرهم، والدولار، وقد حَلَّت محل الذهب والفضة؛ اللذين يؤديان هذا الغرض في القديم.

حكم زكاتها: اتفق علماء العصر على أنها تعامل معاملة النقدين (الذهب والفضة) في الزكاة، فتجب زكاتها مثل سائر الأموال الزكوية.

تقدير نصابها: اختلف أهل العلم هل يقدر نصاب العملات الورقية بالذهب أو بالفضة؟

وأقرب الأقوال إلى الصواب -والعلم عند الله- أن يقدَّر نصابها بالأدنى من قيمة نصابي الذهب والفضة؛ لأمرين:

1- أنَّ في ذلك مراعاة لمصالح الفقراء.

2- أنَّ في ذلك احتياطًا للمزكِّي، وتطهيرًا لماله؛ بإبعاده عن الشبهة.

أدنى النصابين في هذا الزمان: نصاب الفضة، وهو (595) غرام، فيجب إخراج الزكاة على مَنْ مَلَكَ قيمة (595) غرام فضة فأكثر من الأوراق النقديَّة. هذا ما أفتى به العالمان الجليلان ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله-، وعليه قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة التعاون الإسلامي.

مقدار ما يخرج منها: ربع العشر، أي (2.5%) من مجموع ماله بعد حَوَلان الحَوْل.


 

المعتبر في النصاب مال كل فرد على حدة

من شروط وجوب الزكاة: امتلاك النصاب، والمعتبر فيه مال كل فرد على حدة، فلا زكاة على مَن لم يبلغ ماله لو انفرد نِصابًا، ولهذا لا يضم بعض الذهب إلى بعض لتكميل النصاب؛ إذا لم يكن المالك واحدًا؛ كالذهب الذي تملكه الأم وبناتها؛ إذا كان نصيب كل واحدة منهن أقل من النصاب، وإن بلغ المجموع نِصابًا.

ويستثنى من ذلك: الخلطة في بهيمة الأنعام، فالمعتبر فيها بلوغ المجموع -بعد الخلطة- نِصابًا، وإن كان نصيب كل واحد -لو انفرد- أقلَّ مِن النِّصاب، مع شروط وضوابط أخرى بَيَّنَهَا الفقهاء.

 

كيفية إخراج الموظف زكاة راتبه

أولًا: لا زكاة على الراتب الذي يتقاضاه الموظف، حتَّى يتحقق شرطان:

1- توفر النصاب: وهو قيمة (595) غرام فضة، فإذا كنت لا توفر من الراتب ما يبلغ النصاب؛ كأن تصرف كلَّ الراتب ولا تدَّخر منه شيئًا، أو تُوَفِّر منه ما دون النصاب؛ فلا زكاة عليك، حتى توفر النصاب.

2- حَوَلَان الحول على النصاب: إذا لم يحل على المبلغ الحول فلا زكاة فيه، إلا أن تعجله -كما سيأتي بيانه-.

ثانيًا: لا يخلو حال الموظف مع راتبه الشهري من حالين:

الحال الأول: أن يقوم بصرف الراتب، ولا يدخر منه شيئًا، فلا تلزمه الزكاة؛ لأنَّ الزكاة لا بد فيها من حولان الحول.

الحال الثاني: أن يدخر من راتبه مبالغ تتفاوت كثرة وقلة، فله أن يسلك إحدى الطريقتين الآتيتين:

1- أن تضع لنفسك جدولًا بكل مبلغ تَدَّخِرُه، وتجعل لكل مبلغ حولًا خاصًّا به، وتُخْرِج زكاة كل مبلغ على حدة؛ إذا حال عليه الحول. وهذه الطريقة هي الأصل، ولكن فيه مشقة.

2- أن تحسب الحول من أول نِصَاب تَمْلُكه، فتزكي جميع المبالغ التي عندك لما يحول الحول على أول نصاب ملكته، فتخرج أول نصاب في وقته، وباقي المال الذي لم يحل عليه الحول معجلًا، وهذه الطريقة هي الأيسر.

مقدار ما يخرج منها: ربع العشر (2.5%) من مجموع المبلغ.


 

زكاة عروض التجارة

تعريف عروض التجارة: هي ما يملكه المسلم من السلع المعدة للبيع بِنِيَّة المتاجرة فيها.

فيدخل فيه: ما يشترى من السلع لبيعها إذا ارتفع سعرها.

ويخرج منها: السلع التي يملكها ولم ينو المتاجرة بها.

نصابها: الأقل من قيمة نصابي الذهب أو الفضة؛ والأقل في زمننا نصاب الفضة وهو (595) غرام.

كيفية حساب النصاب: يحصل النصاب بأحد أمرين:

1- أن يقيم سعر العروض وقت حولان الحول، فإذا بلغت قيمته (595) جرامًا من الفضة؛ وجبت فيها الزكاة.

والمعتبر عند التقويم إذا كان البيع بالجملة؛ سعر الجملة، وإذا كان بالتجزئة؛ فسعر التجزئة.

2- أن يقيم سعر العروض وقت حولان الحول فيكون سعرها أقل من قيمة (595) جرام، ولكنه إذا ضمها مع ما يملكه من النقود أو الذهب أو الفضة تكمل نصابًا، فتجب فيه الزكاة.

مقدار ما يخرج منها: ربع العشر (2.5%) من قيمة عروض التجارة.

وقت الوجوب: إذا حال على نصابها الحول.


 

زكاة العقار والأراضي

العقار والأراضي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يَتَّخذها للاستعمال الشخصي، أو القنية كالسكن والمستودع ونحو ذلك، فلا زكاة فيه.

النوع الثاني: أن يتخذها للإيجار؛ فلا تجب الزكاة في قيمتها، وإنما تجب في الأجرة الناتجة عنها إذا مضى عليها حول من حين عقد الإيجار.

النوع الثالث: أن ينوي بتملكها المتاجرة بها شراءً وبيعًا، فهذه من عروض التجارة، وتجب الزكاة في قيمتها بعد حولان الحول على تملكها.

تنبيه: إذا كانت الأرض أو العقار كاسدًا؛ فلهما حالتان:

1- أن يكون لهما قيمة -وإن قَلَّت - فتجب فيها الزكاة طالما بلغت نصابًا.

2- ألا يكون لها قيمة، بحيث لم يجد من يشتريها لا بقليل ولا بكثير، فلا زكاة فيها حتى يتمكن من بيعها فيزكيها لسنة البيع فقط.

النصاب في النوعين السابقين: الأقل من قيمة نصابي الذهب أو الفضة، والأقل في هذا الزمن نصاب الفضة وهو (595) غرام.

مقدار ما يخرج منها: ربع العشر (2.5%) من مجموع المبلغ.


 

زكاة أسهم الشركات

ينقسم مالكو الأسهم في الشركات من حيث القصد من شرائها إلى نوعين:

النوع الأول: أن يقصد المالك بشراء الأسهم المتاجرة والمضاربة بيعًا وشراءً.

حُكْمُه: تجب فيه الزكاة، ويُعدُّ من عروض التجارة.

كيفية حساب زكاته: إذا حال عليه الحول يخرج ربع العشر (2.5%) من قيمة الأسهم السوقية ومن أرباحها إن وجدت، فإن لم يكن لها سوق عَمِل بتقويم أهل الخبرة، وإن لم يجد اجتهد ما استطاع في معرفة قيمتها.

النوع الثاني: أن يقصد المالك بشراء الأسهم الاستثمار طويل الأجل؛ للإفادة من أرباحها السنوية.

حُكْمُه: تجب فيه زكاة ما يقابل أسهمه من الموجودات الزكوية.

كيفية حساب زكاته: يحسب ما يقابل أسهمه من الموجودات الزكويَّة كالنقود وعروض التجارة والديون والريع وغيرها.

ويقوم باحتساب ذلك الهيئة الشرعية للشركة، أو إحدى الجهات الموثوقة التي تقوم باحتساب مقدار الزكاة المستحقة على أسهم الشركات. فإن لم يجد اجتهد وتحرى ما استطاع، وإلاَّ فليعمل بالاحتياط وليخرج (2.5%) من القيمة الدفترية للأسهم التي يملكها.


 

زكاة الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية

تعريف الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية: هي المبالغ المالية التي يسلمها المودع للبنوك الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح.

تكييفها الفقهي: عقد المضاربة. وهي من عروض التجارة أحد أنواع الأموال الزكوية.

حكم إخراج زكاتها: تجب الزكاة على المودع في رأس المال، وفي أرباحه، إذا تحققت فيه شروط الزكاة؛ لأنَّه من عروض التجارة.

وممن أفتى بهذا مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي في قراره رقم 143 (1/16)، والشيخ عبدالعزيز ابن باز في فتاوى نور على الدرب (15/251-252)، والشيخ محمد العثيمين في مجموع فتاويه (18/196-200).

نصابها: أقل النصابين من الذهب أو الفضة، والأقل في زمننا نصاب الفضة وهو (595) غرام.

وقت الوجوب: إذا حال الحول على نصابها، ولا يشترط حولان الحول على أرباحها؛ إذ حول الأرباح حول أصلها (رأس المال).

مقدار ما يخرج منها: ربع العشر (2.5%) من مجموع رأس المال والأرباح.

 

من أحكام الذهب الأبيض

الذهب الأبيض يطلق على أحد أمرين:

الأول: يطلق الذهب الأبيض على الذهب الحقيقي، الذي أضيف عليه بعض المواد بنسب معينة، فغيرت لونه من أصفر إلى أبيض، لكنها لم تخرجه عن حقيقته، ويأتي منه عيار 18 وهو الأكثر، وعيار 21 وهو قليل.

ويترتب على ذلك أنه يأخذ أحكام الذهب الحقيقي، كوجوب الزكاة فيه، وجريان الربا، وتحريم لبسه على الرجال، وغيرها من الأحكام الشرعية؛ لأنَّه ذهب حقيقي خلط بغيره فصار أبيض، وتسميته ذهبًا أبيضًا لا تغير في حكمه شيئًا، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والهيئة الشرعية لبيت الزكاة الكويتي.

الثاني: يطلق الذهب الأبيض على معدن البلاتين، وهو معدن نفيس، تصنع منه أنواع من الحلي، وهذا لا يأخذ أحكام الذهب، فلا تجب فيه الزكاة؛ إلا إذا أُعِدَّ للتجارة، ولا يجري فيه الربا، ويجوز لبسه للرجال؛ مالم يكن فيه تشبه بالكفار، أو النساء، أو فيه إسراف؛ لأنَّه ليس بذهب، وتسميته ذهبًا لا تغير في حكمه شيئًا، فالعبرة بالحقائق والمعاني، لا بالألفاظ والمباني.

 

زكاة الديون

الكلام على زكاة الديون له جانبان:

الجانب الأول: الديون التي تكون لك في ذمة الآخرين، قسمان:

الأول: أن تكون الديون من العروض غير الزكوية كالأرز والملابس ونحوهما، فهذه لا زكاة فيها.

الثاني: أن تكون الديون من الأموال الزكوية كالذهب والفضة والنقود الورقية؛ فهذه لا تخلو من حالين:

1- أن تكون على مرجو الأداء؛ كالمليء الباذل، فتجب زكاتها كل سنة. (ويجوز تأخير زكاة الدين حتى يقبضه فيزكيه لما مضى من السنين).

2- أن تكون على غير مرجو الأداء؛ كالمعسر أو الجاحد أو المماطل، فلا زكاة على مالكها حتى يقبضها، فإذا قبضها زَكَّاها عن سنة واحدة فقط.

الجانب الثاني: الديون التي تكون للآخرين في ذمتك: اختلف أهل العلم في الدين الذي في ذمتك للآخرين؛ هل يمنع الزكاة أو يخصم منه، أم لا؟

والذي يظهر -والعلم عند الله- أن أقرب الأقوال إلى الصواب: أنَّ الدَّين لا يمنع من الزكاة، ولا يخصم من المال الزكوي. ويستثنى من ذلك: الدَّين الذي حلَّ ووجب قبل الحول، فإنَّك تسدد هذا الدين، ثم تزكي ما بقي إذا حال عليه الحول، واختاره العلامة عبد العزيز ابن باز، والعلامة محمد العثيمين رحمهما الله تعالى.

 

حكم تعجيل الزكاة

تعجيل دفع الزكاة قبل تمام الحول، لا يخلو من حالتين:

الأولى: أن يكون تعجيل دفع الزكاة قبل تمام الحول لمال لم يبلغ نصابًا:

لا خلاف بين أهل العلم أنه لا يجوز تعجيل الزكاة في هذه الحالة؛ لأنه تعجيل الحكم قبل وجود سببه الذي هو ملك النصاب.

الثانية: أن يكون تعجيل دفع الزكاة قبل تمام الحول لمالٍ بلغ نصابًا:

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى جواز تعجيل الزكاة في هذه الحالة؛ لما جاء عن علي رضي الله عنه: "أنَّ العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فَرَخَّصَ له في ذلك". أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه أحمد شاكر في المسند (822)، وحسنَّه الألباني في صحيح أبي داود (1624).

لكن الأفضل عدم تعجيل الزكاة إلا إذا وجِدت حاجة أو مصلحة؛ كاغتنام فضل زمان، أو مكان، أو وجود حاجة ماسة لمن يستحق الزكاة، أو مسغبة حلَّت بالمسلمين، أو وجود مشقة في إخراجها عند تمام الحول.

تنبيهٌ مهمٌ:

إذا عجَّل المسلم زكاة ماله قبل تمام الحول، ثم زاد ماله عند تمام النِّصاب كمن تَحَصَّل على ربحٍ لماله المُستَثْمر، أو نتاج سائمة، أو زادت قيمة الذهب، أو عروض التجارة؛ فأنَّه يجب علية أن يدفع زكاة الزيادة، بلا خلاف بين العلماء.

 

خطورة المجاملة في دفع الزكاة

الحمد لله الذي جعل المال عماد الأنفس وقوامها، وأذهب بالنوال شحها وفك أغلالها، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام، وأدى الزكاة وقام، وعلى آله وصحبه ما وصل بالبر واصل، وجاد بالعطية نائل.

أما بعد: فإن الزكاة حصن للمال من البوار، وجنة لصاحبه من سوء المنقلب والقرار، يتجلى فيه سمو مجتمع الإسلام وجماله، ويظهر به رونق الدين وكماله، وتتحقق به معالي المعاني من المواساة والإخاء، شرعه الله طهرة للنفس من غوائل الشح والجشع المذموم، وجعله بلغة للسائل والمتعفف المحروم.

وإن مما ينزع من الزكاة معناها، وينسف عنها حقيقتها ومغزاها حتى يذرها شكلا بلا مضمون، وخواء فارغا لا تدفع ضرورة ملجئة، ولا حاجة حاقَّة، أن يمتري فيها صاحبها فيسلك بها مسالك المجاملة والاحتيال، ومواطن الشبه والاحتمال، مستنكفًا عن طريق اليقين، ومعرضا عن السبيل المستبين.

ومن صور المجاملات التي دخلت على الناس في زكاة أموالهم، واتخذوها سبيلا لاتقاء شرور الناس ومذامهم، أو ابتغاء ودِّهم ومحامدهم ما يلي:

1- صرف الزكاة في مقام النفقة الواجبة كالنفقة الواجبة للوالدين، والزوج والأولاد، فليس له أن يجعل نفقتهم من الزكاة الواجبة عليه.

2- احتساب الزكاة في الدين المستحق له على الآخرين وإسقاط الدين مقابل ذلك.

3- بر وصلة الأقربين من مال الزكاة وإن كانوا من الموسرين غير المستحقين.

4- التودد والتقرب إلى ذوي الجاه والمكانة بالعطيات الثمينة من مال الزكاة.

5- مجاملة السائلين والخضوع لابتزازهم وإن ظهرت عليهم الملاءة وعدم الاستحقاق، وترك المحرومين المتعففين.

ألا فليعلم المزكي أن الله مطلع على السرائر والنيات، وعالم بالغيب والخفيات، لايعزبه مثقال ذرة في الأرض ولا في السموات، فليحذر أن يورد نفسه إلى مواطن الشبه، ويفتح على ماله ورزقه أسباب الهلاك، ولْيضع ماله حيث أمره الله، فإن الله تولى بنفسه بيان المصارف والجهات وما فرط في الكتاب من شيء.

فالنصاب الواجب من المال حقٌّ للأصناف التي نص الله عليها في كتابه، وليس لصاحب المال أن يُتبع نفسه هواها، فيجامل في هذه المصارف احتيالًا على الشرع، فإنه لا تبرأ ذمته، ولا تجزئ صدقته حتى يضعها موضعها ويصرفها لمستحقها، فهذا المال أمانة وحقُّ الأمانات أن تؤدى إلى أصحابها، ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟

نسأل الله أن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يولينا شكرها، وأن يجعلها لنا بلغة ليوم المعاد.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 

مسألة مهمة في تكميل نصاب زكاة النقدين -وما في حكمهما- بضم بعضها إلى بعض

أولًا: اتفق الفقهاء على أن من ملك عروض تجارة وذهبا أو فضة، وحال عليهما الحول وأراد أن يزكي، فإنه يضم قيمة عروض التجارة إلى الذهب أو الفضة في تكميل النصاب؛ لأن المراد بالعروض القيمة، ولذلك تقوم بالنقدين.

وكذلك من ملك عروض تجارة وذهبا وفضة، وحال عليها الحول، وأراد أن يزكي، فإنه يضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب؛ لأن العروض تضم إلى كل واحد منهما، فوجب ضمهما إليه وجمع الثلاثة. 

وتأخذ الأوراق النقدية حكم الذهب والفضة، فتضم الأوراق النقدية إلى قيمة عروض التجارة في تكميل النصاب، كما تضم الأوراق النقدية إلى كل من الذهب والفضة في تكميل النصاب.

مثال أول: شخص ملك نصف نصاب عروض تجارة ونصف نصاب ذهب، فإنه تجب عليه الزكاة فيهما.

مثال ثاني: شخص ملك نصابا من المال وربع نصاب من الذهب، فإنه تجب عليه الزكاة فيهما.

مثال ثالث: شخص ملك نصف نصاب من المال وربع نصاب من الفضة، فإنه لا تجب الزكاة عليه فيهما.

ثانيًا: اختلف الفقهاء في من ملك ذهبًا وفضةً فقط، هل يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب؟ على قولين، واختار الشوكاني ومحمد الأمين الشنقيطي ومحمد العثيمين عدم الضم.


 

زكاة المال المستفاد أثناء الحول([4])

من استفاد (ملك) مالا زكويا جديدا في أثناء الحول، ولديه نصاب تجب فيه الزكاة، فإن هذا المال المستفاد لا يخلو من ثلاثة أحوال:

الأول: أن يكون المال المستفاد (الجديد) من نماء المال الأصلي، سواء من جنسه أو من غير جنسه، وسواء كان نتاجا كالبهيمة تَلِد، أو زيادة كسِمن البهيمة أو ارتفاع السعر، أو ربحا لتجارة، فهنا اتفق العلماء على أن حول المال المستفاد حول أصله، فإذا حال الحول على المال الأصلي زكى المال الأصلي والمستفاد. قال ابن قدامة في المغني (2/468):" لا نعلم فيه خلافا؛ لأنه تبع له من جنسه، فأشبه النماء المتصل، وهو زيادة قيمة عروض التجارة".

الثاني: أن يكون المال المستفاد من غير جنس المال الأول، وليس من نمائه، كمن لديه نصاب من الأوراق النقدية وأهدي له في أثناء الحول غنم، فهنا يستأنف للمال المستفاد حولا جديد من حين ملكه، ولا يبنيه على حول المال الأول، وهذا مذهب الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة، وحكى بعضهم عدم الخلاف فيه.

الثالث: أن يكون المال المستفاد من جنس المال الأول، وليس من نمائه، كالموظف الذي عنده نصاب مال في حسابه، ويدخر من راتبه الشهري، وكمن لديه نصاب من الغنم وفي أثناء الحول ملك غنما أخرى تزيد بها الزكاة، فهنا اختلف الفقهاء على عدة أقوال، أقربها إلى الصواب أنه يستأنف للمال المستفاد حولا جديدا من حين ملكه، ولا يبنيه على حول المال الأول، وهو مذهب الشافعية والحنابلة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول". رواه الترمذي، وحسنه ابن حجر، وصححه الألباني.

لكن إذا أراد أن يخرج زكاة المال المستفاد مع المال الأول في نفس حوله جاز ذلك، وتكون معجلة.

 


 

مسائل يكثر السؤال عنها في زكاة الفطر

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا مختصر لأهم الأحكام الفقهية التي يكثر السؤال عنها حول زكاة الفطر.

أولًا: تجب زكاة الفطر على كل مسلم قادر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته.

ثانيًا: يستحب دفع زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه، ولا يجب.

ثالثًا: لا يلزم كافل اليتيم أن يدفع عنه زكاة الفطر، لأنه متبرع بالنفقة عليه.

رابعًا: لا يلزم صاحب العمل دفع زكاة الفطر عن الأجراء الذين يعملون عنده كالعمال والخدم.

خامسًا: مقدار زكاة الفطر صاع نبوي، واختلف العلماء في تقديره بالوزن بتقديرات مختلفة تتراوح ما بين كيلوين وأربعين غراما إلى ثلاثة كيلو، وذلك بحسب نوع الطعام.

سادسًا: يجب دفع زكاة الفطر طعاما من قوت البلد، ولا تجزئ القيمة، وهو قول جمهور العلماء.

سابعًا: أوقات مهمة في زكاة الفطر:

1- وقت وجوبها: غروب شمس ليلة العيد.

2- وقت استحباب إخراجها: صبح يوم العيد قبل صلاة العيد.

3- أول وقت لجواز إخراجها: قبل العيد بيومين، أي من غروب شمس اليوم الثامن والعشرين من رمضان.

4- آخر وقت لإخراجها: قبل صلاة العيد، فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد.

ثامنًا: يجوز دفع زكاة الفطر إلى من ينوب عنك في إخراجها من جمعية خيرية أو أشخاص مِن بداية الشهر، على أن تشترط عليهم أن يخرجها في الوقت المشروع، فلا يدفعها قبل الثامن والعشرين من رمضان، ولا يؤخرها عن صلاة العيد.

تاسعًا: تصرف زكاة الفطر للفقراء والمساكين فقط.


 

الفهرس

القول المختصر في حكم زكاة المال المدخر 1

زكاة الأوراق النقدية 3

المعتبر في النصاب مال كل فرد على حدة 4

كيفية إخراج الموظف زكاة راتبه 5

زكاة عروض التجارة 6

زكاة العقار والأراضي. 7

زكاة أسهم الشركات. 8

زكاة الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية 9

من أحكام الذهب الأبيض.. 10

زكاة الديون. 11

حكم تعجيل الزكاة 12

خطورة المجاملة في دفع الزكاة 13

مسألة مهمة في تكميل نصاب زكاة النقدين -وما في حكمهما- بضم بعضها إلى بعض.. 15

زكاة المال المستفاد أثناء الحول. 16

مسائل يكثر السؤال عنها في زكاة الفطر 17

الفهرس. 18

 

([1]) ينظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (14/126، 130).

([2]) ينظر: مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (18/174، 177).

([3]) كما في فتاوى اللجنة الدائمة (9/381،269).

([4]) انظر: المغني (2/468)، التوقيت الحولي في الزكاة ص 60-77.



visibility 2349 مشاهدة
visibility 2349 مشاهدة

هل كان المقال مفيد؟

logintoaddcomment

ملخص أحكام طهارة المريض وصلاته
15 فبراير 2024
من أراد الطهارة وكان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء إن قدر على ذلك، فإن كان الغسل بالماء يضره؛ غَسل سائر الأعضاء السليمة ومسح محل الجرح مسحاً؛
ملخص أحكام صلاة الاستسقاء
15 فبراير 2024
الاستسقاء: استفعال؛ من السقيا. وصلاة الاستسقاء: هي الصلاة لأجل الدعاء بطلب السقيا، على صفة مخصوصة.
فضل الصلاة وخطر التهاون بها
15 فبراير 2024
الصلاة أهم أَركان الإسلام بعد الشهادتين، أمر الله -تعالى- بالمحافظة عَليها في كلِّ حال حضرا وسفرا، سِلما وحربا، صِحة ومرضا، وهي من آخر وصايا رسول اللهِ ﷺ لأمته