شعيرة السلام وكيفيتها حال الخوف من العدوى

صورة لمشاركة المدونة شعيرة السلام وكيفيتها حال الخوف من العدوى

شعيرة السلام وكيفيتها حال الخوف من العدوى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن مما يتميز به المسلمون عن غيرهم التحية الإسلامية التي يتبادلونها بينهم، بل صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قال:" ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السَّلام والتَّأمين". رواه البخاري في الأدب المفرد (988)، وصححه الألباني.

وجعلها الشارع من حقوق المسلم على أخيه، فابتداؤها سنة مؤكدة، وردها واجب كفائي، فهي ليست مجرد عادة تعوَّد عليها الناس، بل هي عمل يقوم به المسلم تقرباً إلى الله تعالى، واستجابة لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أوَدُّ التنبيه على بعض الأحكام المتعلقة بالسلام وكيفيته، ولاسيما في هذه الظروف الاستثنائية التي نعيشها بسبب جائحة كورونا، فأقول مستعينا بالله:

يسن عند لقاء المسلم بأخيه أن يسلم عليه بالكلام فيقول (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ويصافحه، ولا يجوز مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه. ويسن عند القدوم من السفر أو طول الغيبة السلام بالكلام والمعانقة، ويدل على ذلك ما يأتي:

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم". وفي لفظ أحمد (إن شاء). أخرجه أحمد (13044)، والترمذي (2728)، وابن ماجه (3702)، وحسنه الترمذي، والألباني في صحيح سنن الترمذي (2728).

 

2- قال أنسٌ رضي الله عنه:" كان أصحابُ النبي ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا". رواه الطبراني في المعجم الأوسط (1/37) (97)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (3/22) (2719)، وصححه ابن باز في مجموع فتاوى ومقالات (11/389).

ويحصل فضل الامتثال في السنة المؤكدة في ابتداء السلام، وواجب رده، بالكلام. وقد ثبت في السنة الصحيحة فضل زائد على فضل الامتثال:

ويتحقق فضل أداء السنة المؤكدة في ابتداء السلام بالاقتصار على السلام بالكلام، كما يتحقق واجب رد السلام بالاقتصار على الرد بالكلام، ومع هذا فقد ثبت في السنة الصحيحة فضل زائد على أصل فضل العمل بالمشروع فيها، وهو كما يأتي:

الأول: ما ورد في فضل إلقاء السلام كلاما:

جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلا مرَّ على رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في مجلس، فقال: السلام عليكم. فقال: "عشر حسنات". فمرَّ رجل آخَرُ، فقال: السَّلام عليكم ورحمة اللَّه. فَقَالَ: "عشرون حسنة". فمرَّ رجل آخَرُ، فقال: السَّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. فقال: "ثلاثون حسنة". فقام رجل من المجلس، ولم يسلم! فقال رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم:" ما أوشك ما نسي صاحبكم! إذا جاء أحدكم المجلس فليسلِّم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإذا قام (وفي رواية: فإن جلس ثمَّ بدا له أن يقوم قبل أن يتفرق المجلس) فليسلِّم، ما الأُولى بأحقَّ من الآخرة". رواه البخاري في الأدب المفرد (986)، وابن حبان (493) وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (761/986)

الثاني: ما ورد في فضل المصافحة مع السلام:

عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا". رواه أبو داود برقم (5212)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 59).

وأما التقبيل الذي يفعله كثير من الناس فهو من العادات التي لم ترد في الشرع، والأفضل تركه والاقتصار على المصافحة. ويستثنى من ذلك: تقبيل الرجل لطفله الصغير، أو التقبيل بين الزوجين، كما يستثنى تقبيل الرأس أو بين العينين في بعض الحالات كالعلماء والآباء والأمهات وكبار السن؛ لأن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ "استقبل جعفر بن أبي طالب، حين قدم من أرض الحبشة، فقبّل ما بين عينيه وضمه". رواه أبو داود في سننه برقم (5220)، قال الألباني "وهذا إسناد جيد مرسل". السلسلة الصحيحة (6/333).

هذا كله في الحالات العادية؛ أما إن كان يُخشى من المصافحة أو التقبيل أذى كالعدوى، فيُكتفى بالسلام كلاما بلا مصافحة ولا تقبيل؛ لأنه يتعين على المسلم الحذر مما يضره؛ لأنه (لا ضرر ولا ضرار)؛ وإذا كانت الواجبات تترك لخوف الضرر أو التعرض للأذى تقديما لمصلحة حفظ النفس، فغير الواجب أولى بالترك لذلك؛ لأن مصافحة الرجل للرجل عند السلام، والمرأة للمرأة، والرجل لمحرمه، ليست أمرا واجبا بل هي فضيلة مرغب فيها.

والمصافحة بالأيدي والتقبيل عند السلام مما يُخشى منه انتشار العدوى مع تفشي جائحة كورونا، ودفع الضرر والخطر عن الأنفس واجب؛ لقوله تعالى:﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[البقرة: 195].

وبناء على ما سبق لا ينبغي أن يتضايق الإنسان إذا سلم عليه أخوه كلاما بلا مصافحة ولا تقبيل، خاصة إذا علم أن إلقاء السلام بالكلام فيه تأدية للمطلوب، مع حصول الفضل ثلاثين حسنة.

 

 



visibility 1026 مشاهدة
visibility 1026 مشاهدة

هل كان المقال مفيد؟

logintoaddcomment

ملخص أحكام طهارة المريض وصلاته
15 فبراير 2024
من أراد الطهارة وكان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء إن قدر على ذلك، فإن كان الغسل بالماء يضره؛ غَسل سائر الأعضاء السليمة ومسح محل الجرح مسحاً؛
ملخص أحكام صلاة الاستسقاء
15 فبراير 2024
الاستسقاء: استفعال؛ من السقيا. وصلاة الاستسقاء: هي الصلاة لأجل الدعاء بطلب السقيا، على صفة مخصوصة.
فضل الصلاة وخطر التهاون بها
15 فبراير 2024
الصلاة أهم أَركان الإسلام بعد الشهادتين، أمر الله -تعالى- بالمحافظة عَليها في كلِّ حال حضرا وسفرا، سِلما وحربا، صِحة ومرضا، وهي من آخر وصايا رسول اللهِ ﷺ لأمته