بسم الله الرحمن الرحيم
حكم طلب المدد والحاجات من غير الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين: أما بعد فقد اطلعت على ما ورد في فتوى دار الإفتاء المصرية التي تجيز طلب المدد من الأنبياء والصالحين أحياء أو ميتين؛ ولا شك أن هذا باطل شرعًا، فإن طلب المدد والحاجات من الأنبياء والصالحين الأموات أو الأحياء الغائبين، نوعٌ من أنواع الشرك الأكبر الذي أجمع الأنبياء على النهي عنه، وتواترت الأدلة على تحريمه، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾[الأحقاف:5]، وقال عز من قائل: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون:117].
وأما طلب الحاجات من الأحياء الحاضرين؛ فإن كان فيما يقدر عليه الحي؛ كأن يُطلب منه مالًا يملكه فجائز، وأما إن كان فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ كطلب الشفاء من المرض، أو الرزق، أو الولد، فهذا شرك أكبر -أيضًا-؛ لما تقدم من الأدلة السابقة، ولأن طلب الحاجات التي لا يقدر عليها إلا الله من غير الله دعاء، وصرف الدعاء لغير الله شرك أكبر، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر:60]»([1]).
والقول بأن طلب المدد من غير الله يُحمل على السبب، لا على التأثير، قول يخالف الشرع والواقع، أما الشرع فإنه لم يجعل ذلك سببًا لقبول الدعاء، بل قامت الأدلة على تحريمه تحريمًا قاطعًا -كما تقدَّم-، أما من جهة الواقع فإن أكثر مَن يفعل ذلك يعتقد أن لِمن طُلب منه المدد تأثيرًا في قضاء حوائجه، وهذا عين الشرك الذي حاربه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[الزمر:3].
وكذلك لا يجوز تقبيل الأضرحة ولا التمسح بها؛ تبركًا أو لغير ذلك، إذ يحرم نصْب شيء علامةً أو سببًا لشيء آخر بلا برهان، ولذا حرّم الشارع التطير؛ لاعتقاد المتطيِّر بتأثيره سببًا في حصول الضرر، فكذا يحرم اعتقاد استجابة الدعاء أو حصول البركة بالتمسح بالأضرحة.
بل إن صاحب القبر هو المحتاج إلى دعاء الحيّ وترحّمه عليه، فقصد القبور وأهلها للعبادة أو لأي نوع من أنواع التعظيم باب من أبواب الشرك، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»([2]).
([1]) أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (3247)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11464)، وابن ماجه (3828)، وأحمد (18386) واللفظ له، قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وصحح إسناده النووي في الأذكار (1161).