تحكيم الشريعة الإسلامية أولى الأولويات

صورة لمشاركة المدونة تحكيم الشريعة الإسلامية أولى الأولويات

بسم الله الرحمن الرحيم
تحكيم الشريعة الإسلامية أولى الأولويات

الحمد له رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلا شك أن القيام بتحكيم الشريعة الإسلامية والالتزام بها ونبذ ما خالفها من القوانين البشرية، فريضة إلهية وواجب حتمي على المسلمين حكاما ومحكومين، في كل زمان ومكان. وقد وعد الله -عز وجل- مَن فعل ذلك بالنصر والتمكين في الدنيا، والسعادة وحسن الجزاء في الآخرة، وحذر -سبحانه- من مغبة الإعراض عنها، وترك تحكيمها، وتوعد على ذلك بالعقوبات الدنيوية والأخروية.

فقال سبحانه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48].

وقال عز وجل: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}[المائدة:49].

وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}[الأحزاب:36].

وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65].

وقال -أيضاً- : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44].

وليس من حق أي أحد -كائنا من كان- أن يُشَرِّع تشريعا أو يسن قانونا يخالف ما شرعه الله عز وجل، إذ التشريع حق لله وحده، فلا يجوز الاحتكام إلى القوانين الوضعية، أو جعل الشعب مصدراً للسلطات؛ لمخالفتها لشرع الله تعالى، فمصدر الحكم والتشريع هو الله -سبحانه وتعالى- من خلال كتابه وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف:40].

ومن الواضح أن الفرق بين شريعة الله وبين القوانين الوضعية -التي وضعها البشر- كالفرق بين الله -عز وجل- وبين خلقه، ولا يستوي تنظيم وضعه البشر مع شريعة أنزلها أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لتكون هداية ورحمة للعالمين. {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:50].

وقد كتب الله -عز وجل- بقاء هذه الشريعة، وضَمن حفظها، وجعلها صالحة لكل زمان ومكان.

يقول العلامة الشاطبي: "والمعتمد ‌إنما ‌هو ‌أنّا ‌استقرينا ‌من ‌الشّريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراءً لا ينازع فيه [أحد]([1])".

ويقول العلامة ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالحُ كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، ‌فليست ‌من ‌الشريعة".

وفي هذه الشريعة -بفضل الله- الوفاء والحل لكل ما تتطلبه الحياة، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة:3].

وإن الناظر إلى واقع المجتمعات الإسلامية اليوم التي ابتعدت عن تحكيم الشريعة الإسلامية، يجد تناقضاً ظاهراً بين حكم الشريعة الإسلامية وبين ما تقره القوانين البشرية ويطبقه الناس في واقعهم، في كثير من مجالات الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والجنائية، وغيرها.

وكل المشاكل التي حلت بالمسلمين، وما حصل لأمتنا العربية والإسلامية من ذل وضعف ومهانة أمام الأعداء، فهو نتيجة حتمية لعدم تحكيمنا لشريعتنا الاسلامية وبُعدنا عن ديننا الحنيف.

يقول ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7].

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا تبايعتُم بالعِينَةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ‌ورضيتُم ‌بالزَّرْع، وتركتُم الجهادَ، سَلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لا ينزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دينكم» رواه أحمد وأبو داود.

لذا فإن الواجب على ولاة أمور المسلمين، وأعضاء المجالس، الوزراء ومجلس النواب، أن يبادروا بتحكيم شريعة الله -عز وجل- التي فرضها علينا، إقرارا بحاكمية الله تعالى، وتحقيقا لسيادة شريعته، وإزالة لأسباب التوتر والتناقض والصراع في ديارهم، وتوفيرا للأمن والطمأنينة في بلاد المسلمين.

كما يجب عدم الالتفات الى إرجاف المرجفين وتثبيط المثبطين واعتراض المعترضين، في الداخل والخارج، ممن يشكك في إمكانية تحكيم شريعة الله، وفي عدالتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وقدرتها على الوفاء بمتطلبات الناس ومصالحهم.


 

الخطبة الثانية:

حراسة الدين أولى الأولويات

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وبعد:

فمع احتدام السباق الانتخابي لمجلس الأمة، نجد -مع الأسف- الكثير ممن ينادي بحماية الدستور والدفاع عنه، ويحذر من المساس به واصفًا إياه بخط أحمر.

وفي المقابل نلاحظ أن أغلب المرشحين تخْلو برامجهم وأهدافهم الانتخابية من السعي إلى تحكيم الشرع في جميع نواحي الحياة، وحراسة الدين وتعاليمه وأحكامه وقيمه، والتي بتحققها يصلح أمر ديننا ودنيانا.

ومن أولى ما ينبغي أن يحرص المرشحون على تحقيقه:

- تعديل القوانين التي تخالف الشريعة.

- تطبيق قانون منع الاختلاط في الجامعات الحكومية والخاصة، وفي الوزارات والمؤسسات، والفنادق والمسابح.

- منع الربا والمعاملات المحرمة في المؤسسات والبنوك، ومؤسسة التأمينات وصندوق المشاريع الصغيرة وغيرها.

- تعديل قانون التشبه بالجنس الآخر بما يتفق مع الشريعة والفطرة السليمة.

وغيرها من القضايا المهمة.

نعم، جميل أن تكون الأصوات مرتفعة بالنداء لمحاربة الفساد الإداري والمالي، ولكن نتأسف للغاية قلة الاهتمام بالقضايا الإسلامية، وإغفال الجانب الديني، واستنزاف الطاقة في غيره.

وأخيرًا؛ ندعو جميع المرشحين وكل من له صوت أو دور في صياغة الدستور، أن يحرص على التقرب إلى الله بالإسهام في نصرة دينه، تأهبًا لسؤاله عن هذه المسؤولية يوم القيامة.

 

([1]) في الأصل: "الرّازيّ ولا غيره".



visibility 603 مشاهدة
visibility 603 مشاهدة

هل كان المقال مفيد؟

logintoaddcomment

ملخص أحكام طهارة المريض وصلاته
15 فبراير 2024
من أراد الطهارة وكان في بعض أعضاء الطهارة جرح فإنه يغسله بالماء إن قدر على ذلك، فإن كان الغسل بالماء يضره؛ غَسل سائر الأعضاء السليمة ومسح محل الجرح مسحاً؛
ملخص أحكام صلاة الاستسقاء
15 فبراير 2024
الاستسقاء: استفعال؛ من السقيا. وصلاة الاستسقاء: هي الصلاة لأجل الدعاء بطلب السقيا، على صفة مخصوصة.
فضل الصلاة وخطر التهاون بها
15 فبراير 2024
الصلاة أهم أَركان الإسلام بعد الشهادتين، أمر الله -تعالى- بالمحافظة عَليها في كلِّ حال حضرا وسفرا، سِلما وحربا، صِحة ومرضا، وهي من آخر وصايا رسول اللهِ ﷺ لأمته